وفي شرح الطيبي على الكشاف نقلا عن بعض المؤرخين : أن كلمات " الغرانيق . . " " أي هذه الجمل " من مفتريات ابن الزبعرى . ويؤيد هذا ما رواه الطبري عن الضحاك : " أن النبي A أنزل عليه قصة آلهة العرب " أي قوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ) الخ " فجعل يتلو : اللات والعزى " أي الآية المشتملة على هذا " فسمع أهل مكة نبي الله يذكر آلهتهم ففرحوا ودونوا يستمعون فألقى الشيطان : تلك الغرانيق العلى منها الشفاعة ترتجي " فإن قوله ( دنوا يستمعون فألقى الشيطان ) الخ يؤذن بأنهم لم يسمعوا أول السورة ولا آخرها وأن شيطانهم ألقى تلك الكلمات . ولعل ابن الزبعرى كانت له مقدرة على محاكاة الأصوات وهذه مقدرة توجد في بعض الناس . وكنت أعرف فتى من أترابنا ما يحاكي صوت أحد إلا ظنه السامع أنه صوت المحاكى .
وأما تركيب تلك القصة على الخبر الذي ثبت فيه أن المشركين سجدوا في آخر سورة النجم لما سجد المسلمون وذلك مروي في الصحيح فلذلك من تخليط المؤلفين .
وكذلك تركيب تلك القصة على آية سورة الحج . وكم بين نزول سورة النجم التي هي من أوائل السور النازلة بمكة وبين نزول سورة الحج التي بعضها من أول ما نزل بالمدينة وبعضها من آخر ما نزل بمكة .
وكذلك ربط تلك القصة بقصة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة . وكم بين مدة نزول سورة النجم وبين سنة رجوع من رجع من مهاجرة الحبشة .
فالوجه : أن هذه الشائعة التي أشيعت بين المشركين في أول الإسلام . إنما هي من اختلافات المستهزئين من سفهاء الأحلام بمكة مثل ابن الزبعرى وأنهم عمدوا إلى آية ذكرت فيها اللات والعزى ومناة فركبوا عليها كلمات أخرى لإلقاء الفتنة في الناس وإنما خصوا سورة النجم بهذه المرجفة لأنهم حضروا قراءتها في المسجد الحرام وتعلقت بأذهانهم وتطلبا لإيجاد المعذرة لهم بين قومهم على سجودهم فيها الذي جعله الله معجزة للنبي A . وقد سرى هذا التعسف إلى إثبات معنى في اللغة فزعموا أن ( تمنى ) بمعنى : قرأ والأمنية : القراءة وهو ادعاء لا يوثق به ولا يوجد له شاهد صريح في كلام العرب . وأنشدوا بيتا لحسان بن ثابت في رثاء عثمان " Bه " : .
تمنى كتاب الله أول ليله ... وآخره لاقي حمام المقادر وهو محتمل أن معناه تمنى أن يقرأ القرآن في أول الليل على عادته فلم يتمكن من ذلك بتشغيب أهل الحصار عليه وقتلوه آخر الليل . ولهذا جعله تمنيا لأنه أحب ذلك فلم يستطع . وربما أنشدوه برواية أخرى فظن أنه شاهد آخر . وربما توهموا الرواية الثانية بيتا آخر . ولم يذكر الزمخشري هذا المعنى في الأساس . وقد قدمنا ذلك عند قوله تعالى ( ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) في سورة البقرة .
وجملة ( وإن الله لهادي الذين آمنوا إلى صراط مستقيم ) معترضة . والواو للاعتراض . والذين أوتوا العلم هم المؤمنون . وقد جمع لهم الوصفان كما في قوله تعالى ( وقال الذين أوتوا العلم والإيمان لقد لبثتم في كتاب الله إلى يوم البعث ) في سورة سبأ ( ويرى الذين أوتوا العلم الذي أنزل إليك من ربك هو الحق ) . فإظهار لفظ ( الذين آمنوا ) في مقام ضمير ( الذين أوتوا العلم ) لقصد مدحهم بوصف الإيمان والإيماء إلى أن إيمانهم هو سبب هديهم . وعكسه قوله تعالى ( إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار ) . فالمراد بالهدى في كلتا الآيتين عناية الله بتيسيره وإلا فإن الله هدى الفريقين بالدعوة والإرشاد فمنهم من اهتدى ومنهم من كفر .
وكتب في المصحف ( لهاد ) بدون ياء بعد الدال واعتبار بحالة الوصل على خلاف الغالب . وفي الوقف يثبت يعقوب الياء بخلاف البقية .
( ولا يزال الذين كفروا في مرية منه حتى تأتيهم الساعة بغتة أو يأتيهم عذاب يوم عقيم [ 55 ] ) A E