وضمير ( أنه الحق ) عائد إلى العلم الذي أوتوه أي ليزدادوا يقينا بأن الوحي الذي أوتوه هو الحق لا غيره مما ألقاه الشيطان لهم من التشكيك والشبه والتضليل فالقصر المستفاد من تعريف الجزأين قصر إضافي . ويجوز أن يكون ضمير " أنه " عائدا إلى م تقدم من قوله ( فينسخ الله ) إلى قوله ( ثم يحكم الله آياته ) أي أن المذكور هو الحق كقول رؤية : .
فيها خطوط من سواد وبلق ... كأنه في الجلد توليع البهق أي كان المذكور .
وقوله ( فيؤمنوا به ) معناه : فيزدادوا إيمانا أو فيؤمنوا بالناسخ والمحكم كما آمنوا بالأصل .
والإخبات : الاطمئنان والخشوع . وتقدم آنفا عند قوله تعالى ( وبشر المخبتين ) أي فيستقر ذلك في قلوبهم كقوله تعالى ( قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
وبما تلقيت في تفسير هذه الآية من الانتظام البين الواضح المستقل بدلالته والمستغني بنهله عن علالته والسالم من التكلفات والاحتياج إلى ضميمة القصص ترى أن الآية بمعزل عما ألصقه بها الملصقون والضعفاء في علوم السنة وتلقاء منهم فريق من المفسرين حبا في غرائب النوادر دون تأمل ولا تمحيص من أن الآية نزلت في قصة تتعلق سورة النجم فلم يكتفوا بما أفسدوا من معنى هذه الآية حتى تجاوزوا بهذا الإلصاق إلى إفساد معاني سورة النجم فذكروا في ذلك روايات عن سعيد بن جبير وابن شهاب ومحمد بن كعب القرطبي وأبي العالية والضحاك وأقربها رواية عن ابن شهاب وابن جبير والضحاك قالوا : إن النبي A جلس في ناد من أندية قريش كثير أهله من مسلمين وكافرين فقرأ عليهم سورة النجم فلما بلغ قوله ( أفرأيتم اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى ) القي الشيطان بين السامعين عقب ذلك قوله " تلك الغرانيق العلى وإن شفاعتهن لترتجى " ففرح المشركون بان ذكر آلهتهم بخير . وكان في آخر تلك السورة سجدة من سجود التلاوة . فلما سجد في آخر السورة سجد كل من حضر من المسلمين والمشركين . وتسامع الناس بان قريشا أسلموا حتى شاع ذلك ببلاد الحبشة . فرجع من مهاجرة الحبشة نفر منهم عثمان بن عفان إلى المدينة . وأن النبي A لم يشعر بأن الشيطان ألقى . فأعلمه جبريل " عليه السلام " فاغتم لذلك فنزل قوله تعالى ( وما أرسلنا من قبلك ) الآية تسلية له .
وهي قصة يجدها السامع ضغثا على إبالة ولا يلقي إليها النحرير باله . وما رويت إلا بأسانيد واهية ومنتهاها إلى ذكر قصة وليس في أحد أسانيدها سماع صحابي لشيء في مجلس النبي A وسندها إلى ابن عباس سند مطعون . على أن ابن عباس يوم نزلت سورة النجم كان لا يحضر مجالي النبي A وهي أخبار آحاد تعارض أصول الدين لأنها تخالف أصل عصمة الرسول A لا التباس عليه في تلقي الوحي . ويكفي تكذيبا لها قوله تعالى ( وما ينطق عن الهوى ) . وفي معرفة الملك . فلو رووها الثقات لوجب رفضها وتأويلها فكيف وهي ضعيفة واهية . وكيف يروج على ذي مسكة من عقل أن يجتمع في كلام واحد تسفيه المشركين في عبادتهم الأصنام بقوله تعالى ( أفرأيتم اللات والعزى ) إلى قوله ( ما أنزل الله بها من سلطان ) فيقع في خلال ذلك مدحها بأنها " الغرانيق العلى وأن شفاعتهم لترتجى " . وهل هذا إلا كلام يلعن بعضه بعضا . وقد اتفق الحاكون أن النبي A قرا سورة النجم كلها حتى خاتمتها ( فاسجدوا لله واعبدوا ) لأنهم إنما سجدوا حين سجد المسلمون فدل على أنهم سمعوا السورة كلها وما بين آية ( أفرأيتم اللات والعزى ) وبين آخر السورة آيات كثيرة في إبطال الأصنام وغيرها من معبودات المشركين وتزييف كثير لعقائد المشركين فكيف يصح أن المشركين سجدوا من أجل الثناء على آلهتهم . فإن لم تكن تلك الأخبار مكذوبة من أصلها فإن تأويلها : أن بعض المشركين وجدوا ذكر اللات والعزى فرصة للدخل لاختلاق كلمات في مدحهن وهي هذه الكلمات وروجوها بين الناس تأنيسا لأوليائهم من المشركين وإلقاء للريب في قلوب ضعفاء الإيماء .
A E