والذين سعوا هم الفريق المقابل للذين آمنوا فمعناه : والذين استمروا على الكفر فعبر عن الاستمرار بالسعي في الآيات لأنه أخص من الكفر وذلك حال المشركين المتحدث عنهم .
والسعي : المشي الشديد ويطلق على شدة الحرص في العمل تشبيها للعامل الحريص بالماشي الشديد في كونه يكد للوصول إلى غاية كما قال تعالى ( ثم أدبر يسعى فحشر فنادى ) . فليس المراد أن فرعون خرج يمشي وأنما المراد أنه صرف عنايته لإحضار السحرة لإحباط دعوة موسى وقال تعالى ( ويسعون في الأرض فسادا ) .
والكلام تمثيل شبهت هيئة تفننهم في التكذيب بالقرآن وتطلب المعاذير لنقض دلائله من قولهم : هو سحر هو شعر هو أساطير الأولين هو قول مجنون وتعرضهم بالمجادلات والمناقضات للنبي A بهيئة الساعي في طريق يسابق غيره ليفوز بالوصول .
والمعاجز : المسابق الطالب عجز مسايره عن الوصول إلى غايته وعن اللحاق به فصيغ له المفاعلة لأن كل واحد يطلب عجز الآخر عن لحاقه . والمعنى : أنهم بعملهم يغالبون رسول الله A وهم لا يشعرون أنهم يحاولون أن يغلبوا الله وقد ظنوا أنهم نالوا مرادهم في الدنيا ولم يعلموا ما لهم من سوء العاقبة .
وقرأ الجمهور ( معاجزين ) " بألف بعد العين " وقرأه ابن كثير وأبوا عمرو ( معجزين ) بفتح العين وتضعيف الجيم أي محاولين إعجاز الله تعالى وهم لا يعلمون .
والتصدير باسم الإشارة في قوله ( أولئك أصحاب الجحيم ) للتنبيه على أن المخبر عنهم جديرون بما سيرد بعد اسم الإشارة من الحكم لأجل ما ذكر قبله من الأوصاف أي هم أصحاب الجحيم لأنهم سعوا في آياتنا معاجزين . ومن أحسن ما يفسر هذه الآية ما جاء في الحديث الصحيح أن النبي A قال : " إن مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه فقال : يا قوم إني رأيت الجيش بعيني وأنا النذير العريان . فالنجاء النجاء فأطاعته طائفة من قومه فأدلجوا وانطلقوا على مهلهم . وكذبت طائفة منهم فأصبحوا مكانهم فصبحهم الجيش فأهلكهم واجتاحهم . فذلك مثلي ومثل من أطاعني واتبع ما جئت به ومثل من عصاني وكذب ما جئت به من الحق " .
( وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي إلا إذا تمنى ألقى الشيطان في أمنيته فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته والله عليم حكيم [ 52 ] ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم وإن الظالمين لفي شفاق بعيد [ 53 ] وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم [ 54 ] ) عطف على جملة ( قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين ) لأنه لما أفضى الكلام السابق إلى تثبيت النبي A وتأنيس نفسه فيما يلقاه من قومه من التكذيب بأن تلك شنشنة الأمم الظالمة من قبلهم فيما جاء عقب قوله ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ) الخ وأنه مقصور على النذارة فمن آمن فقد نجا ومن كفر فقد هلك أريد الانتقال من ذلك إلى تفصيل تسليته وتثبيته بأنه لقي ما لقيه سلفه من الرسل والأنبياء ( عليهم السلام ) وأنه لم يسلم أحد منهم من محاولة الشيطان أن يفسد بعض ما يحاولونه من هدي الأمم وأنهم لقوا من أقوامهم مكذبين ومصدقين سنة الله في رسله ( عليهم السلام ) .
فقوله ( من رسول ولا نبي ) نص في العموم فأفاد أن ذلك لم يعد أحد من الأنبياء والرسل .
وعطف ( نبي ) على ( رسول ) دال على أن للنبي معنى غير معنى الرسول .
فالرسول : هو الرجل المبعوث من الله إلى الناس بشريعة . والنبي : من أوحى الله إليه بإصلاح أمر قوم بحملهم على شريعة سابقة أو بإرشادهم إلى ما هو مستقر في الشرائع كلها فالنبي أعم من الرسول وهو التحقيق .
A E