A E وفي معنى هذه الآية قوله تعالى ( ويستعجلونك بالعذاب ولولا أجل مسمى لجاءهم العذاب وليأتينهم بغتة وهم لا يشعرون يستعجلونك بالعذاب وإن جهنم لمحيطة بالكافرين ) .
وليس المراد بقوله ( وإن يوما عند ربك ) إلى آخره استقصار أجل حلول العذاب بهم في الدنيا كما درج عليه أكثر المفسرين لعدم رشاقة . ذلك على أن هذا الاستقصار يغني عنه قوله عقب هذا ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها ) .
والخطاب في ( تعدون ) للنبي A والمؤمنين . وقرأ الجمهور ( تعدون ) بالفوقية . وقرأه ابن كثير وحمزة والكسائي ( مما يعدون ) " بياء الغائبين " أي مما يعده المشركون المستعجلون بالعذاب .
( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ثم أخذتها وإلي المصير [ 48 ] ) عطف على جملة ( ويستعجلونك بالعذاب ) أو على جملة ( ولن يخلف الله وعده ) باعتبار ما تضمنه استعجالهم بالعذاب من التعريض بأنهم آيسون منه لتأخر وقوعه فذكروا بأن أمما كثيرة أمهلت ثم حل بها العذاب . فوزان هذه الآية وزان قوله آنفا ( فكأين من قرية أهلكناها وهي ظالمة ) الخ إلا أن الأولى قصد منها كثرة الأمم التي أهلكت لئلا يتوهم من ذكر قوم نوح ومن عطف عليهم أن الهلاك لم يتجاوزهم ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإهلاك دون الإمهال . وهذه الآية القصد منها التذكير بان تأخير الوعيد لا يقتضي إبطاله ولذلك اقتصر فيها على ذكر الإمهال ثم الأخذ بعده المناسب للإملاء من حيث إنه دخول في القبضة بعد بعده عنها .
وأما عطف جملة ( فكأين من قرية أهلكناها ) " بالفاء " وعطف جملة ( وكأين من قرية أمليت لها وهي ظالمة ) " بالواو " فلأن الجملة الأولى وقعت بدلا من جملة ( فكيف كان نكير ) فقرنت " بالفاء " التي دخلت نظيرتها على الجملة المبدل منها وأما هذه الجملة الثانية فخلية عن ذلك فعطفت بالحرف الأصلي للعطف .
وجملة ( وإلي المصير ) تذييل أي مصير الناس كلهم إلي والمصير مصدر ميمي ل ( صار ) بمعنى : رجع وهو رجوع مجازي بمعنى الحصول في المكنة .
وتقديم المجرور للحصر الحقبقي أي يصير الناس إلا إلى الله وهو يقتضي أن المصير إليه لا محالة وهو المقصود من الحصر لأن الحصر يقتضي بالأحرى فهو كناية عن عدم الإفلات .
( قل يا أيها الناس إنما أنا لكم نذير مبين [ 49 ] فالذين آمنوا الصالحات لهم مغفرة ورزق كريم [ 50 ] والذين سعوا في آياتنا معجزين أولئك أصحاب الجحيم [ 51 ] ) استئناف بعد المواعظ السالفة والإنذارات . وافتتحاحه ب ( قل ) للاهتمام به : وافتتاح المقول بنداء الناس للفت ألبابهم إلى الكلام . والمخاطبون هم المشركون .
والغرض من خطابهم إعلامهم بأن تكذيبهم واستهزاءهم لا يغيظ النبي A ولا يصده عن إداء رسالته : ففي ذلك قمع لهم إذا كانوا يحسبون أنهم بتكذيبهم واستهزائهم يملونه فيترك دعوتهم . وفيه تثبيت للنبي وتسلية فيما يلقاه منهم .
وقصر النبي على صفة النذارة قصر إضافي أي لست طالبا نكايتكم ولا تزلفا فمن آمن فلنفسه ومن عمي فعليها .
والنذير : المحذر من شر يتوقع .
وفي تقديم المجرور المؤذن بالاهتمام بنذارتهم إيماء إلى أنهم مشرفون على شر عظيم فهم أحرياء بالنذارة .
والمبين : المفصح الموضح أي مبين للإنذار بما لا إيهام فيه ولا مصانعة .
وفرع على الأمر بالقول تقسيم للناس في تلقي هذا الإنذار المأمور الرسول بتبليغه إلى مصدق ومكذب لبيان حال كلا الفريقين في الدنيا والآخرة ترغيبا في الحالة الحسنى وتحذيرا من الحالة السوأى فقال تعالى ( فالذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم ) إلى آخره فهذا إخبار من الله تعالى كما يقتضيه قوله ( في آياتنا ) والجملة معترضة بالفاء .
والمغفرة : غفران ما قدموه من الشرك وما يتبعه من شرائع الشرك وضلالاته ومفاسده . وهذه المغفرة تفضي إلى نعيم الآخرة فالمعنى : أنهم فازوا في الدار الآخرة .
والرزق : العطاء . ووصفه بالكريم يجمع وفرته وصفائه من المكدرات كقوله تعالى ( لهم أجر غير ممنون ) ذلك هو الجنة .
والرزق منه ما هو حاصل لهم في الدنيا فهم متمتعون بانشراح صدورهم ورضاهم عن ربهم وأعظمه ما يحصل لهم في الآخرة .
A E