والمعطلة : التي عطل الانتفاع بها مع صلاحها للانتفاع أي هي نابعة بالماء وحولها وسائل السقي ولكنها لا يستقي منها لأن أهلها هلكوا . وقد وجد المسلمون في مسيرهم إلى تبوك بئار في ديار ثمود ونهاهم النبي A عن الشرب منها إلا بئرا واحدة التي شربت منها ناقة صالح ( عليه السلام ) .
والقصر : المسكن المبني بالحجارة المجعول طباقا .
والمشيد : المبني بالشيد " بكسر الشين وسكون الياء " وهو الجص وإنما يبنى به البناء من الحجر لأن الجص أشد من التراب فبشدة مسكه يطول بقاء الحجر الذي رص به .
والقصور المشيدة وهي المخلفة عن القرى التي أهلكها الله كثيرة مثل : قصر غمدان في اليمن وقصور ثمود في الحجر وقصور الفراعنة في صعيد مصر . وفي تفسير القرطبي " يقال : إن هذه البئر وهذا القصر بحضرموت معروفان . ويقال : إنها بئر الرس وكانت في عدن وتسمى حضور " بفتح الحاء " وكان أهلها بقية من المؤمنين بصالح الرسول ( عليه السلام ) وكان صالح معهم وأنهم آل أمرهم إلى عبادة صنم وأن الله بعث إليهم حنظلة بن صفوان رسولا فنهاهم عن عبادة الصنم فقتلوه فغارت البئر وهلكوا عطشا " . يريد أن هذه القرية واحدة من القرى المذكورة في هذه الآية وإلا فإن كلمة ( كأين ) تنافي إرادة قرية معينة .
وقرأ الجمهور ( أهلكناها ) " بنون العظمة " وقرأه أبو عمرو ويعقوب ( أهلكتها ) " بتاء المتكلم " .
( أفلم يسيروا في الأرض فتكون لهم قلوب يعقلون بها أو آذان يسمعون بها فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور [ 46 ] ) تفريع على جملة ( فكأين من قرية أهلكناها ) وما بعدها .
والاستفهام تعجيبي من حالهم في عدم الاعتبار بمصارع الأمم المكذبة لأنبيائها : والتعجيب متعلق بمن سافروا منهم ورأوا شيئا من تلك القرى المهلكة وبمن لم يسافروا فإن شأن المسافرين أن يخبروا القاعدين بعجائب ما شاهدوه في أسفارهم كما يشير إليه قوله تعالى ( أو آذان يسمعون بها ) فالمقصود بالتعجب هو حال الذين ساروا في الأرض ولكن جعل الاستفهام داخلا على نفي السير لأن سير السائرين منهم لما لم يفدهم عبرة وذكرى جعل كالعدم فكان التعجب من انتفائه فالكلام جار على خلاف مقتضى الظاهر .
والفاء في ( فتكون ) سببية جوابية مسبب ما بعدها على السير أي لم يسيروا سيرا تكون لهم به قلوب يعقلون بها وآذان يسمعون بها أي انتفى أن تكون لهم قلوب وآذان بهذه المثابة لانتفاء سيرهم في الأرض . وهذا شأن الجواب بالفاء بعد النفي أن تدخل الفاء على ما هو مسبب على المنفي لو كان ثابتا . وفي هذا المعنى قال المعري : .
وقيل أفاد بالأسفار مالا ... فقلنا هل أفاد بها فؤادا وهذا شأن الأسفار أن تفيد المسافر ما لا تفيده الإقامة في الأوطان من اطلاع على أحوال الأقوام وخصائص البلدان واختلاف العادات فهي تفيد كل ذي همة في شيء فوائد همته نفاذا فيما تتوجه إليه وأعظم ذلك فوائد العبرة بأسباب النجاح والخسارة .
وأطلقت القلوب على تقاسيم العقل على وجه المجاز المرسل لأن القلب هو مفيض الدم " وهو مادة الحياة " على الأعضاء الرئيسة وأهمها الدماغ الذي هو عضو العقل ولذلك قال ( يعقلون بها ) وإنما آلة العقل هي الدماغ ولكن الكلام جرى أوله على متعارف أهل اللغة ثم أجري عقب ذلك على الحقيقة العلمية فقال ( يعقلون بها ) فأشار إلى أن القلوب هي العقل .
ونزلت عقولهم منزلة المعدوم كما نزل سيرهم في الأرض منزلة المعدوم .
وأما ذكر الأذان فلأن الأذان آلة السمع والسائر في الأرض ينظر آثار الأمم ويسمع أخبار فنائهم فيستدل من ذلك على ترتب المسببات على أسبابها على أن حظ كثير من المتحدث إليهم وهم الذين لم يسافروا أن يتلقوا الأخبار من المسافرين فيعلموا ما علمه المسافرون علما سبيله سماع الأخبار .
وفي ذكر الآذان اكتفاء عن ذكر الأبصار إذ يعلم أن القلوب التي تعقل إنما طريق علمها مشاهدة آثار العذاب والاستئصال كما أشار إليه قوله بعد ذلك ( فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور ) .
A E