والبيع جمع : بيعة " بكسر الباء وسكون التحتية " مكان عبادة النصارى ولا يعرف أصل اشتقاقها . ولعلها معربة عن لغة أخرى .
والصلوات جمع : صلاة وهي هنا مراد بها كنائس اليهود معربة عن كلمة ( صلوثا ) " بالمثلثة في آخره بعدها ألف " . فلما عربت جعلوا مكان المثلثة مثناة فوقية وجمعوها كذلك . وعن مجاهد . والجحدري وأبي العالية وأبي رجاء أنهم قرأوها هنا ( وصلواث ) بمثلثة في آخره . وقال ابن عطيه : قرأ عكرمة . ومجاهد ( صلويثا ) " بكسر الصاد وسكون اللام وكسر الواو وقصر الألف بعد الثاء " " أي المثلثة كما قال القرطبي " وهذه المادة قد فاتت أهل اللغة وهي غفلة عجيبة .
والمساجد : اسم لمحل السجود من كل موضع عبادة ليس من الأنواع الثلاثة المذكورة قبله وقت نزول هذه الآية فتكون الآية نزلت في ابتداء هجرة المسلمين إلى المدينة حين بنوا مسجد قباء ومسجد المدينة .
وجملة ( يذكر فيها اسم الله كثيرا ) صفة والغالب في الصفة الواردة بعد جمل متعاطفة فيها أن ترجع إلى ما في تلك الجمل من الموصوف بالصفة . فلذلك قيل برجوع صفة ( يذكر فيها اسم الله ) إلى " صوامع وبيع وصلوات ومساجد " للأربعة المذكورات قبلها وهي معاد ضمير " فيها " .
وفائدة هذا الوصف الإيماء إلى أن سبب هدمها أنها يذكر فيها اسم الله كثيرا أي ولا تذكر أسماء أصنام أهل الشرك فإنهم لما أخرجوا المسلمين بلا سبب إلا أنهم يذكرون اسم الله فيقولون ربنا الله . لمحو ذكر اسم الله من بلدهم لا جرم أنهم يهدمون المواضع المجعولة لذكر اسم الله كثيرا . أي دون ذكر الأصنام . فالكثرة مستعملة في الدوام لاستغراق الأزمنة وفي هذا لإيماء إلى أن في هذه المواضع فائدة دينية وهي ذكر اسم الله .
قال ابن خويز منداد من أئمة المالكية " من أهل أواخر القرن الرابع " " تضمنت هذه الآية المنع من هدم كنائس أهل الذمة وبيعهم وبيوت نارهم " اه .
قلت : أما بيوت النار فلا تتضمن هذه الآية منع هدمها فإنها لا يذكر فيها اسم الله وإنما منع هدمها عقد الذمة الذي ينعقد بين أهلها وبين المسلمين . وقيل الصفة راجعة إلى مساجد خاصة .
وتقديم الصوامع في الذكر على ما بعده لأن صومع الرهبان كانت أكثر في بلاد العرب من غيرها وكانت أشهر عندهم لأنهم كانوا يهتدون بأضوائها في أسفارهم ويأوون إليها . وتعقيبها بذكر البيع للمناسبة إذ هي معابد النصارى مثل الصوامع . وأما ذكر الصلوات بعدهما فلأنه قد تهيأ المقام لذكرها وتأخير المساجد لأنها أعم وشأن العموم أن يعقب به الخصوص إكمالا للفائدة .
وقوله ( ولينصرن الله من ينصره ) عطف على جملة ( ولولا دفاع الله الناس ) أي أمر الله المسلمين بالدفاع عن دينهم . وضمن لهم النصر في ذلك الدفاع لأنهم بدفاعهم ينصرون دين الله فكأنهم نصروا الله . ولذلك أكد الجملة بلام القسم ونون التوكيد . وهذه الجملة تذييل لما فيها من العموم الشامل للمسلمين الذين أخرجهم المشركون .
وجملة ( إن الله لقوي عزيز ) تعليل لجملة ( ولينصرن الله من ينصره ) أي كان نصرهم مضمونا لأن ناصرهم قدير على ذلك بالقوة والعزة . والقوة مستعملة في القدرة . والعزة هنا حقيقة لأن العزة هي المنعة أي عدم تسلط غير صاحبها على صاحبها .
بدل ( من الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) وما بينهما اعتراض . فالمراد من ( الذين إن مكناهم في الأرض ) المهاجرون فهو ثناء على المهاجرين وشهادة لهم بكمال دينهم . وعن عثمان : " هذا والله ثناء قبل بلاء " . أي قبل اختبار . أي فهو من الإخبار بالغيب الذي علمه الله من حالهم . ومعنى ( إن مكناهم في الأرض ) أي بالنصر الذي وعدناهم في قوله ( وإن الله على نصرهم لقدير ) .
A E ( الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ) ويجوز أن يكون بدلا من ( من ) الموصولة في قوله ( من ينصره ) فيكون المراد : كل من نصر الدين من أجيال المسلمين . أي مكناهم بالنصر الموعود به إن نصروا دين الله . وعلى الاحتمالين فالكلام مسوق للتنبيه على الشكر على نعمة النصر بأن يأتوا بما أمر الله به من أصول الإسلام فإن بذلك دوام نصرهم وانتظام عقد جماعتهم والسلامة من اختلال أمرهم فإن حادوا عن ذلك فقد فرطوا في ضمان نصرهم وأمرهم إلى الله