والكفور : الشديد الكفر . وأفادت ( كل ) في سياق النفي عموم نفي محبة الله عن جميع الكافرين إذ لا يحتمل المقام غير ذلك . ولا يتوهم من قوله ( لا يحب كل خوان ) أنه يحب بعض الخوانين لأن كلمة ( كل ) اسم جامد لا يشعر بصفة فلا يتوهم توجه النفي إلى معنى الكلية المستفاد من كلمة " كل " وليس هو مثل قوله تعالى ( وما ربك بظلام للعبيد ) الموهم أن نفي قوة الظلم لا يقتضي نفي قليل الظلم .
( أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير [ 39 ] ) جملة وقعت بدل اشتمال من جملة ( إن الله يدافع ) لأن دفاع الله عن الناس يكون تارة بالإذن لهم بمقاتلة من أراد الله مدافعتهم عنهم فإنه إذا أذن لهم بمقاتلهم كان متكفلا لهم بالنصر .
وقرأ نافع وأبو عمرو وعاصم ( أذن ) بالبناء للنائب . وقراه الباقون بالبناء إلى الفاعل .
وقرأ نافع وابن عامر وحفص وأبو جعفر ( يقاتلون ) " بفتح التاء الفوقية " مبنيا إلى المجهول . وقرأه البقية " بكسر التاء " مبنيا للفاعل .
والذين يقاتلون مراد بهم المؤمنون على كلتا القراءتين لأنهم إا قوتلوا فقد قاتلوا . والقتال مستعمل في المعنى المجازي إما بمادته . وإما بصيغة المضي .
فعلى قراءة " فتح التاء " فالمراد بالقتال فيه القتل المجازي . وهو الأذى . وأما على قراءة ( يقاتلون ) " بكسر التاء " فصيغة المضي مستعملة مجازا في التهيؤ والاستعداد . أي أذن للذين تهيئوا للقتال وانتظروا إذن الله .
وذلك أن المشركين كانوا يؤذون المؤمنين بمكة أذى شديد فكان المسلمون يأتون رسول الله A من بين مضروب ومشجوج يتظلمون إليه . فيقول لهم : اصبروا فإني لم أؤمر بالقتال . فلما هاجر نزلت هذه الآية بعد بيعة العقبة إذنا لهم بالتهيؤ للدفاع عن أنفسهم ولم يكن قتال قبل ذلك كما يؤذن به قوله تعالى عقب هذا ( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق ) .
والباء في ( بأنهم ظلموا ) أراها متعلقة ب ( أذن ) لتضمينه معنى الإخبار . أي أخبرناهم بأنهم مظلومون . وهذا الإخبار كناية عن الإذن للدفاع لأنك إذا قلت لأحد : إنك مظلوم فكأنك استعديته على ظالمه وذكرته بوجوب الدفاع وقرينة ذلك تعقيبه بقوله ( وإن الله على نصرهم لقدير ) ويكون قوله ( بأنهم ظلموا ) نائب فاعل ( أذن ) على قراءة ضم الهمزة أو مفعولا على قراءة " فتح الهمزة " . وذهب المفسرون إلى أن الباء سببية وأن المأذون به محذوف دل عليه قوله ( يقاتلون ) أي أذن لهم في القتال وهذا يجري على كلتا القراءتين في قوله ( يقاتلون ) والتفسير الذي رأيته أنسب وأرشق .
وجملة ( وإن الله على نصرهم لقدير ) عطف على جملة ( أذن للذين يقاتلون ) أي أذن لهم بذلك وذكروا بقدرة الله على أن ينصرهم . وهذا وعد من الله بالنصر وارد على سنن كلام العظيم المقتدر بإيراد الوعد في صورة الإخبار بأن ذلك بمحل العلم منه ونحوه كقولهم : عسى أن يكون كذا أو أن عندنا خيرا أو نحو ذلك بحيث لا يبقى للمترقب شك في الفوز بمطلوبه .
وتوكيد هذا الخبر بحرف التوكيد لتحقيقه أو تعريض بتنزيلهم منزلة المتردد في ذلك لأنهم استبطأوا النصر .
( الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله ) بدل من ( الذين يقاتلون ) . وفي إجراء هذه الصلة عليهم إيماء إلى أن المراد بالمقاتلة الأذى وأعظمه إخراجهم من ديارهم كما قال تعالى ( والفتنة أشد من القتل ) .
A E و ( بغير حق ) حال من ضمير ( أخرجوا ) أي أخرجوا متلبسين بعدم الحق عليهم الموجب إخراجهم . فإن للمرء حقا في وطنه ومعاشرة قومه وهذا الحق ثابت بالفطرة لأن من الفطرة أن الناشئ في أرض والمتولد بين قوم هو مساو لجميع أهل ذلك الموطن في حق القرار في وطنهم وبين قومهم بالوجه الذي ثبت لجمهورهم في ذلك المكان من نشأة متقادمة أو قهر وغليب لسانه كما قال عمر بن الخطاب : " إنها لبلادهم قاتلوا عليها في الجاهلية وأسلموا عليها في الإسلام " . ولا يزول ذلك الحق إلا بموجب قرره الشرع أو العوائد قبل الشرع . كما قال زهير : .
فإن الحق مقطعه ثلاث ... يمين أو نفار أو جلاء