و ( ما ) موصولة وأكثر استعمالها فيما يكون فيه صاحب الصلة غير عاقل . وأطلقت هنا على معبوداتهم من الأصنام والجن والشياطين تعليبا على أن ( ما ) تستعمل فيما هو أعم من العاقل وغيره استعمالا كثيرا في كلام العرب .
وكانت أصنامهم ومعبوداتهم حاضرة في ذلك المشهد كما دلت عليه الإشارة ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) .
والحصب : اسم بمعنى المحصوب به . أي المرمي به . ومنه سميت الحصباء لأنها حجارة يرمى بها أي يرمون في جهنم كما قال تعالى ( وقودها الناس والحجارة ) . أي الكفار وأصنامهم .
وجملة ( أنتم لها واردون ) بيان لجملة ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) . والمقصود منه : تقريب الحصب بهم في جهنم لما يدل عليه قوله ( واردون ) من الاتصاف بورود النار في الحال كما هو شأن الخبر باسم الفاعل فإنه حقيقة في الحال مجاز في الاستقبال .
وقد زيد في نكايتهم بإظهار خطئهم في عبادتهم تلك الأصنام بأن أشهدوا إيرادها النار وقيل لهم : ( لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) .
وذيل ذلك بقوله تعالى ( وكل فيها خالدون ) أي هم وأصنامهم .
والزفير : النفس يخرج من أقصى الرئتين لضغط الهواء من التأثر بالغم . وهو هنا من أحوال المشركين دون الأصنام . وقرينة معاد الضمائر واضحة .
وعطف جملة ( وهم فيها لا يسمعون ) اقتضاه قوله ( لهم فيها زفير ) لأن شأن الزفير أن يسمع فأخبر الله بأنهم من شدة العذاب يفقدون السمع بهذه المناسبة .
فالآية واضحة السياق في المقصود منها غنية عن التلفيق .
وقد روى ابن إسحاق في سيرته أن رسول الله A جلس يوما مع الوليد بن المغيرة في المسجد الحرام فجاء النضر بن الحارث فجلس معهم في مجلس من رجال قريش فتلا رسول الله عليهم ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون ) ثم قال رسول الله وأقبل عبد الله بن الزبعرى السهمي قبل أن يسلم فحدثه الوليد بن المغيرة بما جرى في ذلك المجلس فقال عبد الله بن الزبعرى : أما والله لو وجدته لخصمته فاسألوا محمدا أكل ما يعبد من دون الله في جهنم مع من عبدوهم ؟ فنحن نعبد الملائكة واليهود تعبد عزيرا والنصارى تعبد عيسى ابن مريم . فحكي ذلك لرسول الله فقال رسول الله : إن كل من أحب أن يعبد من دون الله فهو مع من عبده إنهم إنما يعبدون الشيطان الذي أمرهم بعبادتهم فأنزل الله ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون ) اه .
وقريب من هذا في أسباب النزول للواحدي وفي الكشاف مع زيادات أن ابن الزبعرى لقي النبي A فذكر هذا وزاد فقال : خصمت ورب هذه البنية ألست تزعم أن الملائكة عباد مكرمون وأن عيسى عبد صالح وأن عزيرا عبد صالح وهذه بنو مليح يعبدون الملائكة وهذه النصارى يعبدون المسيح وهذه اليهود يعبدون عزيرا فضج أهل مكة " أي فرحا " وقالوا : إن محمدا قد خصم . ورويت القصة في بعض كتب العربية وأن النبي A قال لابن الزبعري : ما أجهلك بلغة قومك إني قلت ( وما تعبدون ) و ( ما ) لما لا يعقل ولم أقل ( ومن تعبدون ) .
وأن الآية حكت ما يجري يوم الحشر وليس سياقها إنذارا للمشركين حتى يكون قوله ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) تخصيصا لها أو تكون القصة سببا لنزوله .
( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى أولئك عنها مبعدون [ 101 ] لا يسمعون حسيسها وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون [ 102 ] لا يحزنهم الفزع الأكبر وتتلقاهم الملائكة هذا يومكم الذي كنتم توعدون [ 103 ] ) جملة ( إن الذين سبقت لهم منا الحسنى ) مستأنفة استئنافا ابتدائيا دعا إليه مقابلة حكاية حال الكافرين وما يقال لهم يوم القيامة بحكاية ما يلقاه الذين آمنوا يوم القيامة وما يقال لهم . فالذين سبقت لهم الحسنى هم الفريق المقابل لفريق القرية التي سبق في علم الله إهلاكها ولما كان فريق القرية هم المشركين فالفريق المقابل له هم المؤمنون . ولا علاقة لهذه الجملة بجملة ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم ) ولا هي مخصصة لعموم قوله تعالى ( وما تعبدون من دون الله ) بل قوله تعالى ( الذين سبقت لهم منا الحسنى ) عام يعم كل مؤمن مات على الإيمان والعمل الصالح .
A E