وقرأه ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف منونا لأنه اسم واد مذكر .
وقوله ( وأنا اخترتك ) أخبر عن اختيار الله تعالى موسى بطريق المسند الفعلي المفيد تقوية الحكم لأن المقام ليس مقام إفادة التخصيص أي الحصر نحو : أنا سعيت في حاجتك وهو يعطي الجزيل . وموجب التقوي وغرابة الخبر ومفاجأته به دفعا لتطرق الشك في نفسه .
والاختيار : تكلف طلب ما هو خير . واستعملت صيغة التكلف في معنى إجادة طلب الخير .
وفرع على الإخبار باختياره أن أمر بالاستماع للوحي لأنه أثر الاختيار إذ لا معنى للاختيار إلا اختياره لتلقي ما سيوحي الله .
والمراد : ما يوحي إليه حينئذ من الكلام وأما ما يوحي إليه في مستقبل الأيام فكونه مأمورا باستماعه معلوم بالأحرى .
وقرأ حمزة وحده ( وأنا اخترناك ) بضميري التعظيم .
واللام في ( لما يوحى ) للتقوية في تعدية فعل ( استمع ) إلى مفعوله فيجوز أن تتعلق ب ( اخترتك ) أي اخترتك للوحي فاستمع معترضا بين الفعل والمتعلق به . ويجوز أن يضمن استمع معنى أصغ .
( إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلوة لذكري [ 14 ] إن الساعة آتية أكاد أخفها لتجزى كل نفس بما تسعى [ 15 ] فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هويه فتردى [ 16 ] ) هذا ما يوحى المأمور باستماعه . فالجملة بدل من ( ما يوحى ) بدلا مطابقا .
ووقع الأخبار عن ضمير المتكلم باسمه العلم الدال على الذات الواجب الوجود المستحق لجميع المحامد . وذلك أول ما يجب علمه من شؤون الإلهية وهو أن يعلم الاسم الذي جعله الله علما عليه لأن ذلك هو الأصل لجميع ما سيخاطب به من الأحكام المبلغة عن ربهم .
وفي هذا إشارة إلى أن أول ما يتعارف به المتلاقون أن يعرفوا أسماءهم . فأشار الله إلى أنه عالم باسم كليمه وعلم كليمه اسمه وهو الله .
وهذا الاسم هو علم الرب في اللغة العربية . واسمه تعالى في اللغة العبرانيه " يهوه " أو " أهيه " المذكور في الإصحاح الثالث من سفر الخروج في التوراة وفي الإصحاح السادس . وقد ذكر اسم ( الله ) في مواضع من التوراة مثل الإصحاح الحادي والثلاثين من سفر الخروج في الفقرة السادسة عشرة . ولعله من تعبير المترجمين وأكثر تعبير التوراة إنما هو الرب أو الإله .
ولفظ " أهية " أو " يهوه " قريب الحروف من كلمة إله في العربية .
ويقال : إن اسم الجلالة في العبرانية " لاهم " . ولعل الميم في آخره هي أصل التنوين في إله .
وتأكيد الجملة بحرف التأكيد لدفع الشك عن موسى نزل منزلة الشاك لأن غرابة الخبر تعرض السامع للشك فيه .
وتوسيط ضمير الفصل بقوله ( إنني أنا الله ) لزيادة تقوية الخبر وليس بمفيد للقصر إذ لا مقتضى له هنا لأن المقصود الإخبار بأن المتكلم هو المسمى الله فالحمل حمل مواطاة لا حمل اشتقاق . وهو كقوله تعالى ( لقد كفر الذين قالوا إن الله هو المسيح ابن مريم .
A E وجملة ( لا أله إلا أنا ) خبر ثان عن اسم ( إن ) . والمقصود منه حصول العلم لموسى بوحدانية الله تعالى .
ثم فرع على ذلك الأمر بعبادته . والعبادة تجمع معنى العمل الدال على التعظيم من قول وفعل وإخلاص بالقلب . ووجه التفريع أن انفراده تعالى بالإلهية يقتضي استحقاقه أن يعبد .
وخص من العبادات بالذكر إقامة الصلاة لأن الصلاة تجمع أحوال العبادة . وإقامة الصلاة : إدامتها أي عدم الغفلة عنها .
والذكر يجوز أن يكون التذكير بالعقل ويجوز أن يكون الذكر باللسان .
واللام في ( لذكري ) للتعليل أي أقم الصلاة لأجل أن تذكرني لأن الصلاة تذكر العبد بخالقه . إذ يستشعر أنه واقف بين يدي الله لمناجاته . ففي هذا الكلام إيماء إلى حكمة مشروعية الصلاة وبضميمته إلى قوله تعالى ( إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ) يظهر أن التقوى من حكمة مشروعية الصلاة لأن المكلف إذا ذكر أمر الله ونهيه فعل ما أمره واجتنب ما نهاه عنه والله عرف موسى حكمة الصلاة مجملة وعرفها محمدا " صلى الله عليه وسلم " مفصلة