وإيثار المصدر ليفي بعدة متعلقات بالود . وفسر أيضا جعل الود بأن الله يجعل لهم محبة في قلوب أهل الخير . رواه الترمذي عن قتيبة بن سعيد عن الدراوردي . وليست هذه الزيادة عن أحد ممن روى الحديث عن غير قتيبة بن سعيد ولا عن قتيبة بن سعيد في غير رواية الترمذي فهذه الزيادة إدراج من قتيبة عند الترمذي خاصة .
وفسر أيضا بأن الله سيجعل لهم محبة منه تعالى . فالجعل هنا كالإلقاء في قوله تعالى ( وألقيت عليك محبة مني ) . هذا أظهر الوجوه في تفسير الود . وقد ذهب فيه جماعات المفسرين إلى أقوال شتى متفاوتة في القبول .
( فإنما يسرنه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا [ 97 ] ) إيذان بانتهاء السورة فإن شأن الإتيان بكلام جامع بعد أفنان الحديث أن يؤذن بأن المتكلم سيطوي بساطة . وذلك شأن التذييلات والخواتم وهي ما يؤذن بانتهاء الكلام . فلما احتوت السورة على عبر وقصص وبشارات ونذر جاء هنا في التنويه بالقرآن وبيان بعض ما في تنزيله من الحكم .
A E فيجوز جعل الفاء فصيحة مؤذنة بكلام مقدر يدل عليه المذكور كأنه قيل : بلغ ما أنزلنا إليك ولو كره المشركون ما فيه من إبطال دينهم وإنذارهم بسوء العاقبة فما أنزلناه إليك إلا للبشارة والنذارة ولا تعبأ بما حصل مع ذلك من الغيظ أو الحقد . وذلك أن المشركين كانوا يقولون للنبي A : " لو كففت عن شتم آلهتنا وآبائنا وتسفيه أرائنا لاتبعناك " .
ويجوز أن تكون الفاء للتفريع على وعيد الكافرين بقوله ( لقد أحصاهم وعدهم عدا وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) . ووعد المؤمنين بقوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمان ودا ) . والمفرع هو مضمون ( لتبشر به ) الخ ( وتنذر به ) الخ أي ذلك أثر الإعراض عما جئت به من النذارة وأثر الإقبال على ما جئت به من البشارة مما يسرناه بلسانك فإنا ما أنزلناه عليك إلا لذلك .
وضمير الغائب عائد إلى القرآن بدلالة السياق مثل ( حتى توارت بالحجاب ) . وبذلك علم أن التيسير تسهيل قراءة القرآن . وهذا إدماج للثناء على القرآن بأنه ميسر للقراءة كقوله تعالى ( ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر ) .
واللسان : اللغة أي بلغتك وهي العربية كقوله ( وإنه لتنزيل رب العالمين نزل به الروح الأمين على قلبك لتكون من المنذرين بلسان عربي مبين ) ؛ فإن نزول القرآن بأفضل اللغات وأفصحها هو من أسباب فضله على غيره من الكتب وتسهيل حفظه ما لم يسهل مثله لغيره من الكتب .
والباء للسببية أو المصاحبة .
وعبر عن الكفار بقوم لد ذما لهم بأنهم أهل إيغال في المراء والمكابرة أي أهل تصميم على باطلهم فاللد : جمع ألد وهو الأقوى في اللدد وهو الإباية من الاعتراف بالحق . وفي الحديث الصحيح : ( أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم ) . ومما جره الإشراك إلى العرب من مذام الأخلاق التي خلطوا بها محاسن أخلاقهم أنهم ربما تمدحوا باللدد قال بعضهم في رثاء البعض : .
إن تحت الأحجار حزما وعزما ... وخصيما ألد ذا مغلاق وقد حسن مقابلة المتقين بقوم لد . لأن التقوى امتثال وطاعة والشرك عصيان ولدد .
وفيه تعريض بأن كفرهم عن نعاد وهم يعلمون أن ما جاء به محمد A هو الحق كما قال تعالى ( فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ) .
وإيقاع لفظ القوم عليهم للإشارة إلى أن اللدد شأنهم وهو الصفة التي تقومت منها قوميتهم كما تقدم في قوله تعالى ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة وقوله تعالى ( وما تغني الآيات والنذر عن قوم لا يؤمنون ) في سورة يونس .
( وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا [ 98 ] ) لما ذكروا بالعناد والمكابرة أتبع بالتعريض بتهديدهم على ذلك بتذكيرهم بالأمم التي استأصلها الله لجبروتها وتعنتها لتكون لهم قياسا ومثلا . فالجملة معطوفة على جملة ( فإنما يسرناه بلسانك ) باعتبار ما تضمنته من بشارة المؤمنين ونذارة المعاندين لأن في التعريض بالوعيد لهم نذارة لهم وبشارة للمؤمنين باقتراب إراحتهم من ضرهم .
و ( كم ) خبرية عن كثرة العدد