والمعنى في هذه الآية : وما يجوز أن يتخذ الرحمان ولدا . بناء على أن المستحيل لو طلب حصوله لما تأتى لأنه مستحيل لا تتعلق به القدرة لا لأن الله عاجز عنه . ونحو قوله ( قالوا سبحانك ما كان ينبغي لنا أن نتخذ من دونك من أولياء ) يفيد معنى : لا يستقيم لنا أو لا يخول لنا أن نتخذ أولياء غيرك ونحو قوله ( لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ) يفيد معنى لا تستطيع . ونحو ( وما علمناه الشعر وما ينبغي له ) يفيد معنى : أنه لا يليق به . ونحو ( وهب لي ملكا لا ينبغي لأحد من بعدي ) يفيد معنى : لا يستجاب طلبه لطالبه إن طلبه وفرق بين قولك : ينبغي لك أن لا تفعل هذا وبين لا ينبغي لك أن تفعل كذا أي ما يجوز لجلال الله أن يتخذ ولدا لأن جميع الموجودات غير ذاته تعالى يجب أن تكون مستوية في المخلوقية له والعبودية له . وذلك ينافي البنوة لآن بنوة الإله جزء من الإلهية وهو أحد الوجهين في تفسير قوله تعالى ( قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين ) أي لو كان له ولد لعبدته قبلكم .
A E ومعنى ( آتي الرحمان عبدا ) : الإتيان المجازي وهو الإقرار والاعتراف مثل : باء بكذا أصله رجع واستعمل بمعنى اعترف .
و ( عبدا ) حال أي معترف لله بالإلهية غير مستقل عنه في شيء في حال كونه عبدا .
ويجوز جعل ( آتي الرحمان ) بمعنى صائر إليه بعد الموت ويكون المعنى أنه يحيا عبدا ويحشر عبدا بحيث لا تشوبه نسبة البنوة في الدنيا ولا في الآخرة .
وتكرير اسم ( الرحمان ) في هذه الآية أربع مرات إيماء إلى أن وصف الرحمان الثابت لله . والذي لا ينكر المشركون ثبوت حقيقته لله وإن أنكروا لفظه . ينافي ادعاء الولد له لأن الرحمان وصف يدل على عموم الرحمة وتكثرها . ومعنى ذلك شاملة لكل موجود مفتقر إلى رحمة الله تعالى . ولا يتقوم ذلك إلا بتحقيق العبودية فيه . لأنه لو كان بعض الموجودات ابنا لله تعالى لاستغنى عن رحمته لأنه يكون بالنبوة مساويا له في الإلهية المقتضية الغني المطلق ولأن اتخاذ الابن يتطلب به متخذه بر الابن به ورحمنه له وذلك ينافي كون الله مفيض كل رحمة .
فذكر هذا الوصف عند قوله ( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا ) وقوله ( أن دعوا للرحمن ولدا ) تسجيل لغباوتهم .
وذكره عند قوله ( وما ينبغي للرحمن أن يتخد ولدا ) إيماء إلى دليل عدم لياقة اتخاذ الابن بالله .
وذكره عند قوله ( إلا آتى الرحمان عبدا ) استدلال على احتياج جميع الموجودات إليه وإقرارها له بملكه إياها .
وجملة ( لقد أحصاهم ) عطف على جملة ( لقد جئتم شيئا إدا ) مستأنفة ابتدائية لتهديد القائلين هذه المقالة . فضمائر الجمع عائدة إلى ما عاد إليه ضمير ( وقالوا اتخذ الرحمان ولدا ) وما بعده . وليس عائدا على ( من في السماوات والأرض ) أي لقد علم الله كل من قال ذلك وعدهم فلا ينفلت أحد منهم من عقابه .
ومعنى ( وكلهم آتيه يوم القيامة فردا ) إبطال ما لأجله قالوا اتخذ الله ولدا لنهم زعموا ذلك موجب عبادتهم الملائكة والجن ليكونوا شفعاءهم عند الله فأيأسهم الله من ذلك بأن كل واحد يأتي يوم القيامة مفردا لا نصير له كما في قوله في الآية السالفة ( ويأتينا فردا ) . في ذلك تعويض بأنهم آتون لما يكرهون من العذاب والإهانة إتيان الأعزل إلى من يتمكن من الانتقام .
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا [ 96 ] ) يقتضي اتصال الآيات بعضها ببعض في المعاني أن هذه الآية وصف لحال المؤمنين يوم القيامة بضد حال المشركين فيكون حال إتيانهم غير حال انفراد بل حال تأنس بعضهم ببعض .
ولما ختمت الآية قبلها بأن المشركين آتون يوم القيامة مفردين . وكان ذلك مشعرا بأنهم آتون إلى ما من شأنه أن يتمنى المورط فيه من يدفع عنه وينصره وإشعار ذلك بأنهم مغضوب عليهم أعقب ذلك بذكر حال المؤمنين الصالحين وأنهم على العكس من حال المشركين وأنهم يكونون يومئذ بمقام المودة والتبجيل . فالمعنى : سيجعل لهم الرحمان أوداء من الملائكة كما قال تعالى ( نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ) ويجعل بين أنفسهم مودة كما قال تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل )