واللام في قوله ( فليمدد له الرحمان مدا ) لام الأمر أو الدعاء استعملت مجازا في لازم معنى الأمر أي التحقيق أي فسيمد له الرحمان مدا أي أن ذلك واقع لا محالة على سنة الله في إمهال الضلال إعذارا لهم كما قال تعالى ( أو لم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر ) وتنبيها للمسلمين أن لا يغيروا بإنعام الله على الضلال حتى أن المؤمنين يدعون الله به لعدم اكتراثهم بطول مدة نعيم الكفار .
فإن كان المقصود من ( قل ) أن يقول النبي ذلك للكفار فلام الأمر مجرد مجاز في التحقيق وإن كان المقصود أن يبلغ النبي ذلك عن الله أنه قال ذلك فلام الأمر مجاز أيضا وتجريد بحيث إن الله تعالى يأمر نفسه بأن يمد لهم .
والمد : حقيقته إرخاء الحبل وإطالته ويستعمل مجازا في الإمهال كما هنا وفي الإطالة كما في قولهم : مد الله في عمرك .
و ( مدا ) مفعول مطلق مؤكد لعامله أي فليمدد له المد الشديد فسينتهي ذلك .
و ( حتى ) لغاية المد وهي ابتدائية أي يمد له الرحمان إنى أن يروا ما يوعدون أي لا محيص لهم عن رؤية ما أوعدوا من العذاب ولا يدفعه عنه طول مدتهم في النعمة .
فتكون الغاية مضمون الجملة التي بعدها ( حتى ) لا لفظا مفردا . والتقدير : يمد لهم الرحمان حتى يروا العذاب فيعلموا من هو أسعد ومن هو أشقى .
وحرف الاستقبال لتوكيد حصول العلم لهم حينئذ وليس للدلالة على الاستقبال لأن الاستقبال استفيد من الغاية .
و ( إما ) حرف تفصيل ل ( ما يوعدون ) أي ما أوعدوا من العذاب إما عذاب الدنيا وإما عذاب الآخرة فإن كل واحد منهم لا يعدو أن يرى أحد العذابين أو كليهما .
وانتصب لفظ ( العذاب ) على المفعولية ل ( يروا ) . وحرف ( إما ) غير عاطف وهو معترض بين العامل ومعموله كما في قول تأبط شرا : .
هما خطتا إما إسار ومنة ... وإما دم والموت بالحر أجدر بحر " إسار ومنة ودم " .
وقوله ( شر مكانا وأضعف جندا ) مقابل قولهم ( خير مقاما وأحسن نديا ) فالمكان يرادف المقام والجند الأعوان لأن الندي أريد به أهله كما تقدم فقوبل ( خير نديا ) ب ( أضعف جندا ) .
وجملة ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) معطوفة على جملة ( من كان في الضلالة فليمدد له الرحمان مدا ) لما تضمنه ذلك من الإمهال المفضي إلى الاستمرار في الضلال والاستمرار : الزيادة .
فالمعنى على الاحتباك أي فليمدد له الرحمان مدا فيزدد ضلالا ويمد للذين اهتدوا فيزدادوا هدى .
وجملة ( والباقيات الصالحات خير ) عطف على جملة ( ويزيد الله الذين اهتدوا هدى ) . وهو ارتقاء من بشارتهم بالنجاة إلى بشارتهم برفع الدرجات أي الباقيات الصالحات خير من السلامة من العذاب التي اقتضاها قوله تعالى ( فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا ) أي فسيظهر أن ما كان فيه الكفرة من النعمة والعزة هو أقل مما كان عليه المسلمون من الشظف والضعف باعتبار المآلين . إذ كان مآل الكفرة العذاب ومآل المؤمنين السلامة من العذاب وبعد فللمؤمنين الثواب .
والباقيات الصالحات : صفتان لمحذوف معلوم من المقام . أي الأعمال الباقي نعيمها وخيرها والصالحات لأصحابها هي خير عند الله من نعمة النجاة من العذاب . وقد تقدم وجه تقديم الباقيات على الصالحات عند الكلام على نظيره في أثناء سورة الكهف .
والمرد : المرجع . والمراد به عاقبة الأمر .
( أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا [ 77 ] أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا [ 78 ] ملا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا [ 79 ] ونرثه ما يقول ويأتينا فردا [ 80 ] ) تفريع على قوله ( ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا ) وما اتصل به من الاعتراض والتفريعات . والمناسبة : أن قائل هذا الكلام كان في غرور مثل الغرور الذي كان فيه أصحابه . وهو غرور إحالة البعث .
A E