والتلاوة : القراءة . وقد تقدمت عند قوله تعالى ( واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان ) في البقرة وقوله ( وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيمانا ) في أول الأنفال . كان النبي A يقرأ على المشركين القرآن فيسمعون آيات النعي عليهم وإنذارهم بسوء المصير وآيات البشارة للمؤمنين بحسن العاقبة فكان المشركون يكذبون بذلك ويقولون : لو كان للمؤمنين خير لعجل لهم فنحن في نعمة وأهل سيادة وأتباع محمد من عامة الناس وكيف يفوقوننا بل كيف يستوون معنا ولو كنا عند الله كما يقول محمد لمن على المؤمنين برفاهية العيش فإنهم في حالة ضنك ولا يساووننا فلو أقصاهم محمد عن مجلسه لاتبعاه قال تعالى ( ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ما عليك من حسابهم من شيء وما من حسابك عليهم من شيء فتطردهم فتكون من الظالمين وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين ) وقال تعالى ( وقال الذين كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه ) . فلأجل كون المشركين كانوا يقيسون هذا القياس الفاسد ويغالطون به جعل قولهم به معلقا بزمان تلاوة آيات القرآن عليهم . فالمراد بالآيات البينات : آيات القرآن ومعنى كونها بينات : أنها واضحات الحجة عليهم ومفعمة بالأدلة المقنعة .
واللام في قوله ( للذين آمنوا ) يجوز كونها للتعليل أي قالوا لأجل الذين آمنوا أي من أجل شأنهم فيكون هذا القول المشركين فيما بينهم . ويجوز كونها متعلقة بفعل ( قال ) لتعديته إلى متعلقة فيكون قولهم خطابا منهم للمؤمنين .
والاستفهام في قولهم ( أي الفريقين ) تقريري .
وقرأ من عدا ابن كثير ( مقاما ) بفتح الميم على أنه اسم مكان من قام أطلق مجازا على الحظ والرفعة كما في قوله تعالى ( ولمن خاف مقام ربه جنتان ) فهو مأخوذ من القيام المستعمل مجازا في الظهور والمقدرة .
وقرأه ابن كثير بضم الميم من أقام بالمكان وهو مستعمل في الكون في الدنيا . والمعنى : خير حياة .
وجملة ( وكم أهلكنا قبلهم من قرن ) خطاب من الله لرسوله . وقد أهلك الله أهل قرون كثيرة كانوا أرفه من مشركي العرب متاعا وأجمل منهم منظرا . فهذه الجملة معترضة بين حكاية قولهم وبين تلقين النبي A ما يجيبهم به عن قولهم . وموقعها التهديد وما بعدها هو الجواب .
والأثاث : متاع البيوت الذي يتزين به و ( رئيا ) قرأه الجمهور بهمزة بعد الراء وبعد الهمزة ياء على وزن فعل بمعنى مفعول كذبح من الرؤية أي أحسن مرئيا أي منظرا وهيئة .
وقرأه قالون عن نافع وابن ذكوان عن ابن عامر ( ريا ) بتشديد الياء بلا همز إما على أنه من قلب الهمزة ياء وإدغامها في الياء الأخرى وإما على أنه من الري الذي هو النعمة والترفه من قولهم : ريان من النعيم وأصله من الري ضد العطش لأن الري يستعار للتنعم كما يستعار التلهف للتألم .
( قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا [ 75 ] ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا [ 76 ] ) هذا جواب قولهم ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) . لقن الله رسوله A كشف مغالطتهم أو شبهتهم ؛ فأعلمهم بأن ما هم فيه من نهمة الدنيا إنما هو إمهال من الله إياهم لأن ملاذ الكافر استدراج .
فمعيار التفرقة بين النعمة الناشئة عن رضى الله تعالى على عبده وبين النعمة التي هي استدراج لمن كفر به هو النظر إلى حال من هو في نعمة بين حال هدى وحال ضلال قال تعالى في شأن الأولين ( من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون ) . وقال في شأن الآخرين ( أيحسبون أن ما نمدهم به من مال وبنين نسارع لهم في الخيرات بل لا يشعرون ) .
والمعنى : أن من كان منغمسا في الضلالة اغتر بإمهال الله له فركبه الغرور كما ركبهم إذ قالوا ( أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا ) .
A E