وهذه الآية مثار إشكال ومحط قيل وقال واتفق جميع المفسرين على أن المتقين لا تنالهم نار جهنم . واختلفوا في محل الآية فمنهم من جعل ضمير ( منكم ) لجميع المخاطبين بالقرآن ورووه عن بعض السلف فصدمهم فساد المعنى ومنافاة حكمة الله والأدلة الدالة على سلامة المؤمنين يومئذ من لقاء أدنى عذاب فسلكوا مسالك من التأويل فمنهم من تأول الورود بالمرور المجرد دون أن يمس المؤمنين أذى وهذا بعد عن الاستعمال فإن الورود إنما يراد به حصول ما هو مودع في المورد لأن أصله من ورود الحوض . وفي آي القرآن ما جاء إلا لمعنى المصير إلى النار كقوله تعالى ( إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون لو كان هؤلاء آلهة ما وردوها ) وقوله ( يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار وبئس الورد المورود ) وقوله ( ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا ) . على أن إيراد المؤمنين إلى النار لا جدوى له فيكون عبثا ولا اعتداد بما ذكره له الفخر مما سماه فوائد .
ومنهم من تأول ورود جهنم بمرور الصراط وهو جسر على جهنم فساقوا الأخبار المروية في مرور الناس على الصراط متفاوتين في سرعة الاجتياز . وهذا أقل بعدا من الذي قبله .
وروى الطبري وابن كثير في هذين المحملين أحاديث لا تخرج عن مرتبة الضعف مما رواه أحمد في مسنده والحكيم الترمذي في نوادر الأصول . وأصح ما في الباب ما رواه أبو عيسى الترمذي قال " يرد الناس النار ثم يصدرون عنها بأعمالهم " الحديث في مرور الصراط .
ومن الناس من لفق تعضيدا لذلك بالحديث الصحيح : " أنه لا يموت لمسلم ثلاثة من الولد فيلج النار إلا تحلة القسم " فتأول تحلة القسم بأنها ما في هذه الآية من قوله تعالى ( وإن منكم إلا واردها ) وهذا محمل باطل إذ ليس في هذه الآية قسم يتحلل وإنما معنى الحديث : أن من استحق عذابا من المؤمنين لأجل معاص فإذا كان قد مات له ثلاثة من الولد كانوا كفارة له فلا يلج النار إلا ولوجا قليلا يشبه ما يفعل لأجل تحله القسم أي التحلل منه . وذلك أن المقسم على شيء إذا صعب عليه بر قسمه اخذ بأقل ما يتحقق فيه ما حلف عليه فقوله تحله القسم تمثيل .
ويروي عن بعض السلف روايات انهم تخوفوا من ظاهر هذه الآية . من ذلك ما نقل عن عبد الله بن رواحة وعن الحسن البصري وهو من الوقوف في موقف الخوف من شيء محتمل .
وذكر فعل ( نذر ) هنا دون غيره للإشعار بالتحقير أي نتركهم في النار لا نعبأ بهم لأن في فعل الترك معنى الإهمال .
والحتم : اصله مصدر حتمه إذ جعله لازما وهو هنا بمعنى المفعول أي محتوما على الكافرين والمقتضي : المحكوم به . و ( جثي ) تقدم .
وقرأ الجمهور ثم ( ننجي ) بفتح النون الثانية وتشديد الجيم وقرأه الكسائي بسكون النون الثانية وتخفيف الجيم .
( وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا [ 73 ] وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثثا وريا [ 74 ] ) عطف على قوله ( ويقول الإنسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا ) . وهذا صنف آخر من غرور المشركين بالدنيا وإناطتهم دلالة على السعادة بأحوال طيب العيش في الدنيا فكان المشركون يتشففون على المؤمنين ويرون أنفسهم أسعد منهم .
A E