والتقدير : أنا خلقناه من قبل كل حالة هو عليها . والتقدير في آية سورة الروم : لله الأمر من قبل كل حدث ومن بعده .
A E والمعنى : الإنكار على الكافرين أن يقولوا ذلك ولا يتذكروا حال النشأة الأولى فإنها أعجب عند الذين يجرون في مداركهم على أحكام العادة فإن الإيجاد عن عدم من غير سبق مثال أعجب وأدعى إلى الاستبعاد من إعادة موجودات كانت لها أمثلة . ولكنها فسدت هياكلها وتغيرت تراكيبها . وهذا قياس على الشاهد وإن كان القادر سواء عليه الأمران .
( فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا [ 68 ] ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا [ 69 ] ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا [ 70 ] ) الفاء تفريع على جملة ( أو لا يذكر الإنسان أنا خلقناه من قبل ) باعتبار ما تضمنته من التهديد . وواو القسم لتحقيق الوعيد . والقسم بالرب مضافا إلى ضمير المخاطب وهو النبي A إدماج لتشريف قدره .
وضمير ( لنحشرهم ) عائد إلى الإنسان المراد به الجنس المفيد للاستغراق العرفي كما تقدم أي انحشرن المشركين .
وعطف الشياطين على ضمير المشركين لقصد تحقيرهم بأنهم يحشرون مع أحقر جنس وأفسده وللإشارة إلى الشياطين هم سبب ظلالهم الموجب لهم هذه الحالة فحشرهم مع الشياطين إنذارا لهم بأن مصيرهم هو مصير الشياطين وهو محقق عند الناس كلهم . فلذلك عطف عليه جملة ( ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا ) والضمير للجميع . وهذا إعداد آخر للتقرب من العذاب فهو إنذار على إنذار وتدرج في إلقاء الرعب في قلوبهم . فحرف ( ثم ) للترتيب الرتبي لا للمهلة إذ ليست المهلة مقصودة وإنما المقصود أنهم ينقلون من حالة عذاب إلى أشد .
و ( جثيا ) حال من ضمير ( لنحضرنهم ) والجثي : جمع جاث . ووزنه فعول مثل : قاعد وقعود وجالس وجلوس وهو وزن سماعي في جمع فاعل . وتقدم نظيره ( خروا سجدا وبكيا ) فأصل جثي جثو وبواو ينلأن فعله واوي يقال : جثا يجثو إذا برك على ركبته وهي هيئة الخاضع الذليل فلما اجتمع في جثوو واوان استثقلا بعد ضمه الثاء فصير إلى تخفيفه بإزالة سبب الثقل السابق وهو الضمة فعوضت بكسر الثاء فلما كسرت الثاء تعين قلب الواو الموالية لها ياء للمناسبة فاجتمع الواو والياء وسبق أحدهما بالسكون فقلب الواو الأخرى ياء وأدغمتا فصار جثي .
وهذا الجثو هو غير جثو الناس في الحشر المحكي بقوله تعالى ( وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها ) فإن ذلك جثو خضوع لله وهذا الجثو حول جهنم جثو مذلة .
والقول في عطف جملة ( ثم لننزعن من كل شيعة ) كالقول في جملة ( ثم لنحضرنهم ) وهذه حالة أخرى من الرعب أشد من اللتين قبلها وهي حالة تميزهم للإلقاء في دركات الجحيم على حسب مراتب غلوهم في الكفر .
والنزع : إخراج شيء من غيره ومنه نزع الماء من البئر .
والشيعة : الطائفة التي شاعت أحدا أي اتبعته فهي على رأي واحد . وتقدم في قوله تعالى ( ولقد أرسلنا من قبلك في شيع الأولين ) في سورة الحجر . والمراد هنا شيع أهل الكفر أي من كل شيعة منهم أي ممن أحضرناهم حول جهنم .
والعتي : العصيان والتجبر فهو مصدر بوزن فعول مثل : خروج وجلوس فقلبت الواو ياء . وقرأه حمزة والكسائي وحفص وخلف بكسر العين إتباعا لحركة التاء كما تقدم في ( جييا .
والمعنى : لنميزن من كل فرقة تجمعها محلة خاصة من دين الضلال من هو تلك الشيعة أشد عصيانا لله وتجبرا عليه وهذا تهديد لعظماء المشركين مثل أبي جهل وأمية بن خلف ونظرائهم .
و ( أي ) اسم موصول بمعنى " ما " و " من " . والغالب أن يحذف صدر صلتها فتبنى على الضم . وأصل التركيب : أيهم هو أشد عتيا على الرحمان . وذكر صفة الرحمان هنا لتفظيع عتوهم لأن شديد الرحمة بالخلق حقيق بالشكر له والإحسان لا بالكفر به والطغيان .
ولما كان هذا النزع والتمييز مجملا فقد يزعم كل فريق أن غيره أشد عصيانا أعلم الله تعالى أنه يعلم من هو أولى منهم بمقدار قلي النار فإنها دركات متفاوتة