واللام في ( له ) للملك وهو ملك التصرف .
A E والمراد ب ( ما بين أيدينا ) : ما هو أمامنا و ب ( ما خلفنا ) : ما هو وراءنا و ب ( ما بين ذلك ) : ما كان عن أيمانهم وعن شمائلهم لأن ما كان عن اليمين وعن الشمال هو بين الأمام والخلف . والمقصود استيعاب الجهات .
ولما كان ذلك مخبرا عنه بأنه ملك لله تعين أن يراد به الكائنات التي في تلك الجهات فالكلام مجاز مرسل بعلاقة الحلول مثل ( واسأل القرية ) فيعم جميع الكائنات ويستتبع عموم أحوالها وتصرفاتها مثل التنزل بالوحي . ويستتبع عموم الأزمان المستقبل والماضي والحال وقد فسر بها قوله ( ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك ) .
وجملة ( وما كان ربك نسيا ) على هذا الوجه من الكلام الملقن به جبريل جوابا للنبي A .
و ( نسيا ) صيغة مبالغة من نسي أي كثير النسيان أو شديدة .
والنسيان : الغفلة عن توقيت الأشياء بأوقاتها . وقد فسروا هنا بتارك أي ما كان ربك تاركك . وعليه فالمبالغة منصرفة إلى طول مدة النسيان . وفسر بمعنى شديد النسيان فيتعين صرف المبالغة إلى جانب نسبة نفي النسيان عند الله أي تحقيق نفي النسيان مثل المبالغة في قوله ( وما ربك بظلام للعبيد ) فهو هنا كناية عن إحاطة علم الله أي أن تنزلنا بأمر الله لما هو على وفق علمه وحكمته في ذلك فنحن لا نتنزل إلا بأمره وهو لا يأمرنا بالتنزل إلا عند اقتضاء علمه وحكمته أن يأمرنا به .
وجوز أبو مسلم وصاحب الكشاف : أن هذه الآية من تمام حكاية كلام أهل الجنة بتقدير فعل ( يقولون ) حالا من قوله ( من كان تقيا ) أي وما نتنزل في هذه الجنة إلا بأمر ربك الخ . وهو تأويل حسن . وعليه فكاف الخطاب في قوله ( بأمر ربك ) خطاب كل قائل لمخاطبة . وهذا التجويز بناء على أن ما روى عن ابن عباس رأى له في تفسير الآية لا تتعين متابعته .
وعليه فجملة ( وما كان ربك نسيا ) من قول الله تعالى لرسوله تذييلا لما قبله أو هي من كلام أهل الجنة أي وما كان ربنا غافلا عن إعطاء ما وعدنا به .
( رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبدته هل تعلم له سميا [ 65 ] ) جملة مستأنفة من كلام الله تعالى كما يقتضيه قوله ( فاعبده ) إلى آخره ذيل به الكلام الذي لقنه جبريل المتضمن : أن الملائكة لا يتصرفون إلا عن إذن ربهم وأن أحوالهم كلها في قبضته بما يفيد عموم تصرفه تعالى في سائر الكائنات ثم فرع عليه أمر الرسول عليه السلام بعبادته فقد انتقل الخطاب إليه .
وارتفع ( رب السماوات ) على الخبرية لمبتدأ محذوف ملتزم الحذف في المقام الذي يذكر فيه أحد بأخبار وأوصاف ثم يراد تخصيصه بخبر آخر . وهذا الحذف سماه السكاكي بالحذف الذي اتبع فيه الاستعمال كقول الصولي أو ابن الزبير بفتح الزاي وكسر الموحدة : .
سأشكر عمرا إن تراخت منيتي ... أيادي لم تمنن وإن هي جلت .
فتى غير محجوب الغنى عن صديقه ... ولا مظهر الشكوى إذا النعل زلت والسماوات : العوالم العلوية . والأرض : العالم السفلي وما بينهما : الأجواء والآفاق . وتلك الثلاثة تعم سائر الكائنات .
والخطاب في ( فاعبده واصطبر ) و ( هل تعلم ) للنبي A .
وتفريع الأمر بعبادته على ذلك ظاهر المناسبة ويحصل منه التخلص إلى التنويه بالتوحيد وتفظيع الإشراك .
والاصطبار : شدة الصبر على الأمر الشاق لأن صيغة الافتعال ترد لإفادة قوة الفعل . وكان الشأن أن يعدى الاصطبار بحرف " على " كما قال تعالى ( وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها ) ولكنه عدي هنا باللام لتضمينه معنى الثبات أي اثبت للعبادة لأن العبادة مراتب كثيرة من مجاهدة النفس . وقد يغلب بعضها بعض النفوس فتستطيع الصبر على بعض العبادات دون بعض منا قال النبي A في صلاة العشاء : ( هي أثقل صلاة على المنافقين ) . فلذلك لما أمر الله رسوله بالصبر على العبادة كلها وفيها أصناف جمة تحتاج إلى ثبات العزيمة نزل القائم بالعبادة منزلة المغالب لنفسه فعدي الفعل باللام كما يقال : اثبت لعداتك .
وجملة ( هل تعلم له سميا ) واقعة موقع التعليل للأمر بعبادته والاصطبار عليها