واللسان : مجاز في الذكر والثناء .
ووصف ( لسان ) ب ( صدق ) وصفا بالمصدر .
الصدق : بلوغ كمال نوعه كما تقدم آنفا فلسان الصدق ثناء الخير والتبجيل . ووصف بالعلو مجازا لشرف ذلك الثناء .
وقد رتب جزاء الله إبراهيم على نبذه أهل الشرك ترتيبا بديعا إذ جوزي بنعمة الدنيا وهي العقب الشريف ونعمة الآخرة وهي الرحمة وبأثر تينك النعمتين وهو لسان الصدق إذ لا يذكر به إلا من حصل النعمتين .
وتقدم اختلاف القراء في " نبيا " عند ذكر إبراهيم عليه السلام .
A E ( واذكر قي الكتب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا [ 51 ] وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا [ 52 ] ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا [ 53 ] ) أفضت مناسبة ذكر إبراهيم ويعقوب إلى أن يذكر موسى في هذا الموضع لأنه أشرف نبي من ذرية إسحاق ويعقوب .
والقول في جملة ( واذكر ) وجملة ( إنه كان ) كالقول في نظيريهما في ذكر إبراهيم عدا أن الجملة هنا غير معترضة بل مجرد استئناف .
وقرأ الجمهور ( مخلصا ) بكسر اللام من أخلص القاصر إذا كان الإخلاص صفته . والإخلاص في أمر ما : الإتيان به غير مشوب بتقصير ولا تفريط ولا هوادة مشتق من الخلوص وهو التمحض وعدم الخلط . والمراد هنا : الإخلاص فيما هو شأنه وهو الرسالة بقرينة المقام .
وقرأ حمزة وعاصم والكسائي وخلف بفتح اللام من أخلصه إذا اصطفاه .
وخص موسى بعنوان ( المخلص ) على الوجهين لأن ذلك مزيته فإنه أخلص في الدعوة إلى الله فاستخف بأعظم جبار وهو فرعون وجادله مجادلة الأكفاء كما حكى الله عنه في قوله تعالى في سورة الشعراء ( قال ألم نربك فينا وليدا ولبثت فينا من عمرك سنين وفعلت فعلتك التي فعلت وأنت من الكافرين ) إلى قوله ( قال أو لو جئتك بشيء مبين ) . وكذلك ما حكاه الله عنه بقوله ( قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين ) فكان الإخلاص في أداء أمانة الله تعالى ميزته .
ولأن الله اصطفاه لكلامه مباشرة قبل أن يرسل إليه الملك بالوحي فكان مخلصا بذلك أي مصطفى لأن ذلك مزيته قال تعالى ( واصطنعتك لنفسي ) .
والجمع بين وصف موسى لأنه رسول ونبي . وعطف ( نبيا ) على ( رسولا ) مع أن الرسول بالمعنى الشرعي أخص من النبي فلأن الرسول هو المرسل بوحي من الله ليبلغ إلى الناس فلا يكون الرسول إلا نبيئا وأما النبي فهو المنبأ بوحي من الله وإن لم يؤمر بتبليغه فإذا لم يؤمر بالتبليغ فهو نبي وليس رسولا فالجمع بينهما هنا لتأكيد الوصف إشارة إلى أن رسالته بلغت مبلغا قويا فقوله ( نبيا ) تأكيد لوصف ( رسولا ) .
وتقدم اختلاف القراء في لفظ ( نبيا ) عند ذكر إبراهيم .
وجملة ( وناديناه ) عطف على جملة ( إنه كان مخلصا ) فهي مثلها مستأنفة .
والنداء : الكلام الدال على طلب الإقبال وأصله : جهر الصوت لإسماع البعيد فأطلق على طلب إقبال أحد مجازا مرسلا ومنه ( إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة ) وهو مشتق من الندى بفتح النون وبالقصر وهو بعد الصوت . ولم يسمع فعله إلا بصيغة المفاعلة وليست بحصول فعل من جانبين بل المفاعلة للمبالغة وتقدم عند قوله تعالى ( كمثل الذي ينعق بما لا يسمع إلا دعاء ونداء ) في سورة البقرة وعند قوله ( ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان ) في آل عمران .
وهذا النداء هو الكلام الموجه إليه من جانب الله تعالى قال تعالى ( إني اصطفيتك على الناس برسالتي وبكلامي ) في سورة الأعراف . وتقدم تحقيق صفته هناك وعند قوله تعالى ( حتى يسمع كلام الله في سورة براءة .
والطور : الجبل الواقع بين بلاد الشام ومصر ويقال : له طور سيناء .
وجانبه : ناحيته السفلى ووصفه ب ( الأيمن ) لأنه الذي على يمين مستقبل مشرق الشمس لأن جهة الشمس هي الجهة التي يضبط بها البشر النواحي .
والتقريب : أصله الجعل بمكان القرب وهو الدنو وهو ضد البعد . وأريد هنا القرب المجازي وهو الوحي . فقوله ( نجيا ) حال من ضمير ( موسى ) وهي حال مؤكدة لمعنى التقريب