والبر بفتح الباء : اسم بمعنى البار . وتقدم آنفا . وقد خصه الله تعالى بذلك بين قومه لأن بر الوالدين كان ضعيفا في بني إسرائيل يومئذ وبخاصة الوالدة لأنها تستضف لأن فرط حنانها ومشقتها قد يجرئان الولد على التساهل في البر بها .
والجبار : المتكبر الغليظ على الناس في معاملتهم . وقد تقدم في سورة هود قوله ( واتبعوا أمر كل جبار عنيد ) .
A E والشقي : الخاسر والذي تكون أحواله كدرة له ومؤلمة وهو ضد السعيد . وتقدم عند قوله تعالى ( فمنهم شقي وسعيد ) في آخر سورة هود .
ووصف الجبار بالشقي باعتبار مآله في الآخرة وربما في الدنيا .
وقوله ( والسلام علي يوم ولدت ) إلى آخره تنويه بكرامته عند الله أجراه على لسانه ليعلموا أنه بمحل العناية من ربه والقول فيه تقدم في آية ذكر يحيى .
وجيء ب ( السلام ) هنا معرفا باللام على الجنس مبالغة في تعلق السلام به حتى كان جنس السلام بأجمعه عليه . وهذا مؤذن بتفضيله على يحيى إذ قيل في شأنه ( وسلام عليه يوم ولد ) وذلك هو الفرق بين المعرف بلام الجنس وبين النكرة .
ويجوز جعل اللام للعهد أي سلام إليه وهو كناية عن تكريم الله عبده بالثناء عليه في الملأ الأعلى وبالأمر بكرامته . ومن هذا القبيل السلام على رسول الله A في قوله تعالى ( يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما ) وما أمرنا به في التشهد في الصلاة من قول المتشهد ( السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ) .
ومؤذن أيضا بتمهيد التعريض باليهود إذ طعنوا فيه وشتموه في الأحوال الثلاثة فقالوا : ولد من زنى وقالوا : مات مصلوبا وقالوا : يحشر مع الملاحدة والكفرة لأنهم يزعمون أنه كفر بأحكام من التوراة .
( ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون [ 34 ] ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحنه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون [ 35 ] ) اعتراض بين الجمل المقولة في قوله ( قال إني عبد الله ) مع قوله ( وأن الله ربي وربكم ) أي ذلك المذكور هو عيسى ابن مريم لا كما تزعم النصارى واليهود .
والإشارة لتمييز المذكور أكمل تمييز تعريضا بالرد على اليهود والنصارى جميعا إذ أنزله اليهود إلى حضيض الجناة ورفعه النصارى إلى مقام الإلهية وكلاهما مخطئ مبطل أي ذلك هو عيسى بالحق وأما من تصفونه فليس هو عيسى لأن استحضار الشخص بصفات غير صفاته تبديل لشخصيته فلما وصفوه بغير ما هو صفته جعلوا بمنزلة من لا يعرفون فاجتلب اسم الإشارة ليتميز الموصوف أكمل تمييز عند الذين يريدون أن يعرفوه حق معرفته . والمقصود بالتمييز تمييز صفاته الحقيقية عن الصفات الباطلة التي ألصقوها به لا تمييز ذاته عن الذوات إذ ليست ذاته بحاضرة وقت نزول الآية أي تلك حقيقة عيسى عليه السلام وصفته .
و ( قول الحق ) قرأه الجمهور بالرفع . وقرأه ابن عامر وعاصم ويعقوب بالنصب ؛ فأما الرفع فهو خبر ثان عن اسم الإشارة أو وصف لعيسى أو بدل منه وأما النصب فهو حال من اسم الإشارة أو من عيسى .
ومعنى ( قول الحق ) أن تلك الصفات التي سمعتم هي قول الحق أي مقول هو الحق وما خالفها باطل أو أن عيسى عليه السلام هو قول الحق أي مقول الحق أي المكون من قول ( كن ) فيكون مصدرا بمعنى اسم المفعول كالخلق في قوله تعالى ( هذا خلق الله ) .
وجوز أبو علي الفارسي أن يكون نصب ( قول الحق ) بتقدير : أحق قول الحق أي هو مصدر مؤكد لمضمون الجملة قبله منصوب بفعل محذوف وجوبا تقديره : أحق قول الحق . ويجوز أن يكون ( قول الحق ) مصدرا نائبا عن فعله أي أقول قول الحق . وعلى هذين الوجهين يكون اعتراضا . ويجوز أن يكون ( قول ) مصدرا بمعنى الفاعل صفة ل ( عيسى ) أو حالا منه أي قائل الحق إذ قال ( إني عبد الله آتاني الكتاب ) إلى قوله ( أبعث حيا ) .
و ( الذي فيه يمترون ) صفة ثانية أو حال ثانية أو خبر ثان عن ( عيسى بن مريم ) على ما يناسب الوجوه المتقدمة .
والامتراء : الشك أي الذي فيه يشكون أي يعتقدون اعتقادا مبناه الشك والخطأ فإن عاد الموصول إلى القول فالامتراء فيه هو الامتراء في صدقة وإن عاد إلى عيسى فالامتراء فيه هو الامتراء في صفاته بين رافع وخافض