وكذلك عطف بروره بوالديه على كونه تقيا للدلالة على تمكنه من هذا الوصف .
A E والبرور : الإكرام والسعي في الطاعة . والبر بفتح الباء وصف على وزن المصدر فالوصف به مبالغة . وأما البر بكسر الباء فهو اسم مصدر لعدم جريه على القياس .
والجبار : المستخف بحقوق الناس كأنه مشتق من الجبر وهو القسر والغصب لأنه يغصب حقوق الناس .
والعصي : فعيل من أمثلة المبالغة أي شديد العصيان . والمبالغة منصرفة إلى النفي لا إلى المنفي أي لم يكن عاصيا بالمرة .
( وسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا [ 15 ] ) الأظهر أنه عطف على " وآتيناه الحكم صبيا " مخاطبا به المسلمون ليعلموا كرامة يحيى عند الله .
والسلام : اسم الكلام الذي يفاتح به الزائر والراحل فيه ثناء أو دعاء . وسمي ذلك سلاما لأنه يشتمل على الدعاء بالسلامة ولأنه يؤذن بأن الذي أقدم هو عليه مسالم له لا يخشى منه بأسا . فالمراد هنا سلام من الله عليه وهو ثناء الله عليه كقوله ( سلام قولا من رب رحيم ) . فإذا عرف السلام باللام فالمراد به مثل المراد بالمنكر أو مراد به العهد أي سلام إليه كما سيأتي في السلام على عيسى . فالمعنى : أن إكرام الله متمكن من أحواله الثلاثة المذكورة .
وهذه الأحوال الثلاثة المذكورة هنا أحوال ابتداء أطوار : طور الورود على الدنيا . وطور الارتحال عنها وطور الورود على الآخرة . وهذا كناية على أنه بمحل العناية الإلهية في هذه الأحوال .
والمراد باليوم مطلق الزمان الواقع فيه تلك الأحوال .
وجيء بالفعل المضارع في ( ويوم يموت ) لاستحضار الحالة التي مات فيها . ولم تذكر قصة قتله في القرآن إلا إجمالا .
( واذكر في الكتب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا [ 16 ] فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا [ 17 ] قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا [ 18 ] قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلاما زكيا [ 19 ] قالت أنى يكون لي غلام ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا [ 20 ] قال كذلك قال ربك هو علي هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا [ 21 ] ) جملة ( واذكر في الكتاب مريم ) عطف على جملة ( ذكر رحمة ربك ) عطف القصة على القصة فلا يراعى حسن اتحاد الجملتين في الخبرية والإنشائية على أن ذلك الاتحاد ليس بملتزم . على أنك علمت أن الأحسن أن يكون قوله ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا ) مصدرا وقع بدلا من فعله .
والمراد بالذكر : التلاوة أي اتل خبر مريم الذي نقصه عليك .
وفي افتتاح القصة بهذا زيادة اهتمام بها وتشويق للسامع أن يتعرفها ويتدبرها .
والكتاب : القرآن لأن هذه القصة من جملة القرآن . وقد اختصت هذه السورة بزيادة كلمة ( في الكتاب ) بعد كلمة ( واذكر ) . وفائدة ذلك التنبيه إلى أن ذكر من أمر بذكرهم كائن بآيات القرآن وليس مجرد ذكر فضله في كلام آخر من قول النبي A كقوله " لو لبثت ما لبث يوسف في السجن لأجبت الداعي " .
ولم يأت مثل هذه الجملة في سورة أخرى لأنه قد حصل علم المراد في هذه السورة فعلم أنه المراد في بقية الآيات التي جاء فيها لفظ ( اذكر ) . ولعل سورة مريم هي أول سورة أتى فيها لفظ ( واذكر ) في قصص الأنبياء فإنها السورة الرابعة والأربعون في عدد نزول السور .
و ( إذ ) ظرف متعلق ب ( اذكر ) باعتبار تضمنه معنى القصة والخبر وليس متعلقا به في ظاهر معناه لعدم صحة المعنى .
ويجوز أن يكون ( إذ ) مجرد اسم زمان غير ظرف ويجعل بدلا من مريم أي اذكر زمن انتباذها مكانا شرقيا . وقد تقدم مثله في قوله ( ذكر رحمة ربك عبده زكريا إذ نادى ربه ) .
والانتباذ : الانفراد والاعتزال لأن النبذ : الإبعاد والطرح فالانتباذ في الأصل افتعال مطاوع نبذه تم أطلق على الفعل الحاصل بدون سبق فاعل له .
وانتصب ( مكانا ) على أنه مفعول ( انتبذت ) لتضمنه معنى " حلت " . ويجوز نصبه على الظرفية لما فيه من الإبهام . والمعنى : ابتعدت عن أهلها في مكان شرقي .
A E