وسوي : فعيل بمعنى مفعول يستوي الوصف به الواحد والواحدة والمتعدد منهما .
A E وفسر أيضا ( سويا ) بأنه حال من ضمير المخاطب أي حال كونك سويا أي بدون عاهة الخرس والبكم . ولكنها آية لك اقتضتها الحكمة التي بيناها في سورة آل عمران . وعلى هذا فذكر الوصف لمجرد تأكيد الطمأنينة ولألا فإن تأجيله بثلاث ليال كاف في الاطمئنان على انتفاء العاهة .
( فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا [ 11 ] ) الظاهر أن المعنى أنه خرج على قومه ليصلي على عادته فكان في محرابه في صلاة خاصة ودعاء خفي ثم خرج لصلاة الجماعة إذ هو الحبر الأعظم لهم .
وضمن ( خرج ) معنى ( طلع ) فعدي ب ( على ) كقوله تعالى ( فخرج على قومه في زينته ) .
والمحراب : بيت أو محتجر يخصص للعبادة الخاصة . قال الحريري : فمحرابي أحرى بي .
والوحي : الإشارة بالعين أو بغيرها والإيماء لإفادة معنى شأنه أن يفاد بالكلام .
و ( أن ) تفسيرية . وجملة ( سبحوا بكرة وعشيا ) تفسير ل ( أوحى ) لأن ( أوحى ) فيه معنى القول دون حروفه .
وإنما أمرهم بالتسبيح لئلا يحسبوا أن زكريا لما لم يكلمهم قد نذر صمتا فيقتدوا به فيصمتوا وكان الصمت من صنوف العبادة في الأمم السالفة . كما سيأتي في قوله تعالى ( فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا ) . فأومأ إليهم أن يشرعوا فيما اعتادوه من التسبيح أو أراد أن يسبحوا الله تسبيح شكر على أن وهب نبيهم ابنا يرث علمه . ولعلهم كانوا علموا ترقبه استجابة دعوته أو أنه أمرهم بذلك أمرا مبهما يفسره عندما تزول حبسة لسانه .
( يا يحيى خذ الكتب بقوة وآتيناه الحكم صبيا [ 12 ] وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا [ 13 ] وبرا بولديه ولم يكن جبارا عصيا [ 14 ] ) مقول قول محذوف بقرينة أن هذا الكلام خطاب ليحيى فلا محالة أنه صادر من قائل ولا يناسب إلا أن يكون قولا من الله تعالى وهو انتقال من البشارة به إلى نبوءته . والأظهر أن هذا من إخبار القرآن للأمة لا من حكاية ما قيل لزكريا . فهذا ابتداء ذكر فضائل يحيى .
وطوي ما بين ذلك لعدم تعلق الغرض به . والسياق يدل عليه . والتقدير : قلنا يا يحيى خذ الكتاب .
والكتاب : التوراة لا محالة إذ لم يكن ليحيى كتاب منزل عليه . والأخذ : مستعار للتفهم والتدبر كما يقال : أخذت العلم عن فلان لأن المعتنى بالشيء يشبه الآخذ .
والقوة : المراد بها قوة معنوية وهي العزيمة والثبات .
والباء للملابسة أي أخذا ملابسا للثبات على الكتاب . أي على العمل به وحمل الأمة على اتباعه فقد أخذ الوهن يتطرق إلى الأمة اليهودية في العمل بدينها .
و ( آتيناه ) عطف على جملة القول المحذوفة أي قلنا : يا يحيى خذ الكتاب وآتيناه الحكم .
والحكم : اسم للحكمة . وقد تقدم معناها في قوله تعالى ( ومن يؤت الحكمة فقد أوتى خيرا كثيرا ) في سورة البقرة . والمراد بها النبوءة كما تقدم في قوله تعالى ( ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما ) في سورة يوسف فيكون هذا خصوصية ليحيى أن أوتي النبوءة في حال صباه . وقيل : الحكم هو الحكمة والفهم .
و ( صبيا ) حال من الضمير المنصوب في ( آتيناه ) . وهذا يقتضي أن الله أعطاه استقامة الفكر وإدراك الحقائق في حال الصبا على غير المعتاد كما أعطى نبيه محمدا A الاستقامة وإصابة الرأي في صباه . ويبعد أن يكون يحيى أعطي النبوة وهو صبي لأن النبوة رتبة عظيمة فإنما تعطى عند بلوغ الأشد .
واتفق العلماء على أن يحيى أعطي النبوءة قبل بلوغ الأربعين سنة بكثير . ولعل الله لما أراد أن يكون شهيدا في مقتبل عمرة باكرة بالنبوة .
والحنان : الشفقة . ومن صفات الله تعالى الحنان . ومن كلام العرب : حنانيك أي حنانا منك بعد حنان . وجعل حنان يحيى من لدن الله إشارة إلى أنه متجاوز المعتاد بين الناس .
والزكاة : زكاة النفس ونقاؤها من الخبائث كما في قوله تعالى ( فقل هل لك إلى أن تزكى ) أو أريد بها البركة .
وتقي : فعيل بمعنى مفعل من اتقى إذا اتصف بالتقوى وهي تجنب ما يخالف الدين . وجيء في وصفه بالتقوى بفعل ( كان تقيا ) للدلالة على تمكنه من الوصف