والكبر : كثرة سني العمر . لأنه يقارنه ظهور قلة النشاط واختلال نظام الجسم .
و ( عتي ) مفعول ( بلغت ) .
A E والبلوغ : مجاز في حلول الإنسان . وجعل نفسه هنا بالغا الكبر وفي آية آل عمران قال ( وقد بلغني الكبر ) لأن البلوغ لما كان مجازا في حصول الوصف صح أن يسند إلى الوصف وإلى الموصوف .
والعتي بضم العين في قراءة الجمهور : مصدر عتا العود إذا يبس وهو بوزن فعول أصله عتوو والقياس فيه أن تصحح الواو لأنها إثر ضمة ولكنهم لما استقلوا توالي ضمتين بعدهما وأوان وهما بمنزلة ضمتين تخلصوا من ذلك الثقل بإبدال ضمة العين كسرة ثم قلبوا الواو الأولى ياء لوقوعها ساكنة إثر كسرة فلما قلبت ياء اجتمعت تلك الياء مع الواو التي هي لام . وكأنهم ما كسروا التاء في عتي بمعنى اليبس إلا لدفع الالتباس بينه وبين العتو الذي هو الطغيان فلا موجب لطلب تخفيف أحدهما دون الآخر .
شبه عظامه بالأعواد اليابسة على طريقة السكنية وإثبات وصف العتي لها استعارة تخييلية .
( قال كذلك قال ربك هو علي هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا [ 9 ] ) فصلت جملة ( قال كذلك ) لأنها جرت على طريقة المحاورة وهي جواب عن تعجبه . والمقصود منه إبطال التعجب الذي في قوله ( وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) . فضمير ( قال ) عائد إلى الرب من قوله ( قال رب أنى يكون لي غلام ) .
والإشارة في قوله ( كذلك ) إلى قول زكريا ( وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا ) . والجار والمجرور مفعول لفعل ( قال ربك ) أي كذلك الحال من كبرك وعقر امرأتك قدر ربك ففعل ( قال ربك ) مراد به القول التكويني أي التقديري أي تعلق الإرادة والقدرة . والمقصود من تقديره التمهيد لإبطال التعجب الدال عليه قوله ( علي هين ) فجملة ( هو علي هين ) استئناف بياني جوابا لسؤال ناشئ عن قوله ( كذلك ) لأن تقرير منشأ التعجب يثير ترقب السامع أن يعرف ما يبطل ذلك التعجب المقرر وذلك كونه هينا في جانب قدرة الله تعالى العظيمة .
ويجوز أن يكون المشار إليه بقول ( كذلك ) هو القول المأخوذ من ( قال ربك ) أي أن قول ربك ( هو علي هين ) بلغ غاية الوضوح في بابه بحيث لا يبين بأكثر ما علمت فيكون جاريا على طريقة التشبيه كقوله تعالى ( وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) وقد تقدم في سورة البقرة . وعلى هذا الاحتمال فجملة ( هو علي هين ) تعليل لإبطال التعجب إبطالا مستفادا من قوله ( كذلك قال ربك ) ويكون الانتقال من الغيبة في قوله ( قال ربك ) إلى التكلم في قوله ( هو علي هين ) التفاتا . ومقتضى الظاهر : هو عليه هين .
والهين بتشديد الياء : السهل حصوله .
وجملة ( وقد خلفتك من قبل ) على الاحتمالين هي في موضع الحال من ضمير الغيبة الذي في قوله ( هو علي هين ) أي إيجاد الغلام لك هين علي في حال كوني قد خلقتك من قبل هذا الغلام ولم تكن موجودا أي في حال كونه مماثلا لخلقي إياك فكما لا عجب من خلق الولد في الأحوال المألوفة كذلك لا عجب من خلق الولد في الأحوال النادرة إذ هما إيجاد بعد عدم .
ومعنى ( ولم تك شيئا ) : لم تكن موجودا .
وقرأ الجمهور ( وقد خلقتك ) بتاء المتكلم .
وقرأه حمزة والكسائي وخلف ( وقد خلقناك ) بنون العظمة .
( قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلاث ليال سويا [ 10 ] ) أراد نصب علامة على وقوع الحمل بالغلام لأن البشارة لم تعين زمنا وقد يتأخر الموعود به لحكمة فأراد زكريا أن يعلم وقت الموعود به . وفي هذا الاستعجال تعريض بطلب المبادرة به ولذلك حذف متعلق ( آية ) . وإضافة ( آيتك ) على معنى اللام أي آية لك أي جعلنا علامة لك .
ومعنى ( أن لا تكلم الناس ) أن لا تقدر على الكلام لأن ذلك هو المناسب لكونه آية من قبل الله تعالى . وليس المراد نهيه عن كلام الناس إذ لا مناسبة في ذلك للكون آية وقد قدمنا تحقيق ذلك في سورة آل عمران .
وجعلت مدة انتفاء تكليمه الناس هنا ثلاث ليال وجعلت في سورة آل عمران ثلاثة أيام فعلم أن المراد هنا ليال بأيامها وأن المراد في آل عمران أيام بلياليها .
وأكد ذلك هنا بوصفها ب ( سويا ) أي ثلاث ليال كاملة أي بأيامها