واشتعل المبيض في مسودة ... مثل اشتعال النار في جزل الغضا ولكنه خليق بأن يكون مضرب قولهم في المثل : ماء ولا كصدي .
والشيب : بياض الشعر . ويعرض للشعر البياض بسبب نقصان المادة التي تعطي اللون الأصلي للشعر ونقصانها بسبب كبر السن غالبا فلذلك كان الشيب علامة على الكبر وقد يبيض الشعر من مرض .
وجملة ( ولم أكن بدعائك رب شقيا ) معترضة بين الجمل التمهيدية . والباء في قوله ( بدعائك ) للمصاحبة .
A E والشقي : الذي أصابته الشقوة وهي ضد السعادة أي هي الحرمان من المأمول وضلال السعي . وأطلق نفي الشقاوة والمراد حصول ضدها وهو السعادة على طريق الكناية إذ لا واسطة بينهما عرفا .
ومثل هذا التركيب جرى في كلامهم مجري المثل في حصول السعادة من شيء . ونظيره قوله تعالى في هذه السورة في قصة إبراهيم ( عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا ) أي عسى أن أكون سعيدا أي مستجاب الدعوة . وفي حديث أبي هريرة عن النبي A فيما يرويه عن ربه في شأن الذين يذكون الله ومن جالسهم " هم الجلساء لا يشقي بهم جليسهم " أي يسعد معهم . وقال بعض الشعراء لم نعرف اسمه وهو إسلامي : .
جليس قعقاع بن شور ... ولا يشقى بقعقاع جليس أي يسعد به جليسه .
والمعنى : لم أكن فيما دعوتك من قبل مردود منك أي أنه قد عهد من الله الاستجابة كلما دعاه .
وهذا تمهيد للإجابة من طريق غير طريق التمهيد الذي في الجمل المصاحبة له بل طريق الحث على استمرار جميل صنع الله معه وتوسل إليه بما سلف له معه من الاستجابة .
روي أن محتاجا سأل حاتما الطائي أو معن بن زائدة قائلا : " أنا الذي أحسنت إلي يوم كذا " فقال : " مرحبا بمن توسل بنا إلينا " .
وجملة ( وإني خفت الموالي من ورائي ) عطف على جملة ( واشتعل الرأس شيبا ) أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي .
وما روي عن ابن عباس ومجاهد وقتادة وأبي صالح عن النبي A مرسلا أنه قال : " يرحم الله زكريا ما كان عليه من وراثة ماله " فلعله خشي سوء معرفتهم بما يخلفه من الآثار الدينية والعلمية . وتلك أعلاق يعز على المؤمن تلاشيها ولذلك قال ( يرثني ويرث من آل يعقوب ) فإن نفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .
فقوله ( يرثني ) يعني به وراثة ماله . ويؤيده ما أخرجه عبد الرزاق عن قتادة عن الحسن أن النبي A قال : يرحم الله زكريا ما كان عليه من وراثة ماله " .
والظواهر تؤذ ن بأن الأنبياء كانوا يورثون قال تعالى ( وورث سليمان داود ) . وأما قول النبي A : " نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة " فإنما يريد به رسول الله نفسه كما حمله عليه عمر في حديثه مع العباس وعلي في صحيح البخاري إذ قال عمر : " يريد رسول الله بذلك نفسه " . فيكون ذلك من خصوصيات محمد A فإن كان ذلك حكما سابقا كان مراد زكريا إرث آثار النبوة خاصة من الكتب المقدسة وتقاييده عليها .
والموالي : العصبة وأقرب القرابة جمع مولي بمعنى الولي .
ومعنى ( من ورائي ) من بعدي فإن الوراء يطلق ويراد به ما بعد الشيء . كما قال النابغة : .
" وليس وراء اله للمرء مطلب أي بعد الله . فمعنى ( من ورائي ) من بعد حياتي .
و ( من ورائي ) في موضع الصفة ل ( الموالي ) أو الحال .
وامرأة زكريا اسمها أليصابات من نسل هارون أخي موسى فهي من سبط لاوي .
والعاقر : الأنثى التي لا تلد فهو وصف خاص بالمرأة .
ولذلك جرد من علامة التأنيث إذ لا لبس . ومصدره : العقر بفتح العين وضمها مع سكون القاف . وأتى بفعل ( كان ) للدلالة على أن العقر متمكن منها وثابت لها فلذلك حرم من الولد منها .
ومعنى ( من لدنك ) أنه من عند الله عندية خاصة لأن المتكلم يعلم أن كل شيء من عند الله بتقديره وخلقه الأسباب ومسبباتها تبعا لخلقها فلما قال " من عندك " دل على أنه سأل وليا غير جار أمره على المعتاد من إيجاد الأولاد لانعدام الأسباب المعتادة فتكون هبته كرامة له .
ويتعلق ( لي ) و ( من لدنك ) بفعل ( هب ) . وإنما قدم ( لي ) على ( من لدنك ) لأنه الأهم من غرض الداعي وهو غرض خاص يقدم على الغرض العام .
و ( يرثني ) قرأه الجمهور بالرفع على الصفة ل ( وليا )