والرسل يجوز أن يراد به حقيقة الجمع فيكون إخبارا عن حال كفار قريش ومن سبقهم من الأمم المكذبين ويجوز أن يراد به الرسول الذي أرسل إلى الناس كلهم وأطلق عليه اسم الجمع تعظيما كما في قوله ( نجب دعوتك ونتبع الرسل ) .
والهزو بضمتين مصدر بمعنى المفعول . وهو أشد مبالغة من الوصف باسم المفعول أي كانوا كثيري الهزو بهم .
( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات كانت لهم جنت الفردوس نزلا [ 107 ] خالدين فيها لا يبغون عنها حولا [ 108 ] ) A E هذا مقابل قوله ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ) على عادة القرآن في ذكر البشارة بعد الإنذار .
وتأكيد الجملة للاهتمام بها لأنها جاءت في مقابلة جملة ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ) وهي مؤكدة كي لا يظن ظان أن جزاء المؤمنين غير مهتم بتأكيده مع ما في التأكيدين من تقوية الإنذار وتقوية البشارة .
وجعل المسند إليه الموصول بصلة الإيمان وعمل الصالحات للاهتمام بشأن أعمالهم فلذلك خولف نظم الجملة التي تقابلها فلم يقل : جزاؤهم الجنة . وقد تقدم نظير هذا الأسلوب في المخالف بين وصف الجزاءين عند قوله تعالى في هذه السورة ( إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها ) ثم قوله ( إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) .
وفي الإتيان ب ( كانت ) دلالة على أن استحقاقهم الجنات أمر مستقر من قبل مهيأ لهم .
وجيء بلام الاستحقاق تكريما لهم بأنهم نالوا الجنة باستحقاق إيمانهم وعملهم كما قال تعالى ( وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون ) .
وجمع الجنات إيماء إلى سعة نعيمهم وأنها جنات كثيرة كما جاء في الحديث : " إنها جنان كثيرة " .
والفردوس : البستان الجامع لكل ما يكون في البساتين . وعن مجاهد هو معرب عن الرومية . وقيل عن السريانية . وقال الفراء : هو عربي أي ليس معربا . ولم يرد ذكره في كلام العرب قبل القرآن .
وأهل الشام يقولون للبساتين والكروم : الفراديس . وفي مدينة حلب باب يسمى باب الفراديس .
وإضافة الجنات إلى الفردوس بيانية أي جنات هي من صنف الفردوس . وورد في الحديث أ الفردوس أعلى الجنة أو وسط الجنة . وذلك إطلاق آخر على هذا المكان المخصوص يرجع إلى أنه علم بالغلبة .
فإن حملت هذه الآية عليه كانت إضافة " جنات " إلى " الفردوس " إضافة حقيقية أي جناب هذا المكان .
والنزل تقدم قريبا .
وقوله ( لا يبغون عنها حولا ) أي ليس بعدما حوته تلك الجنات من ضروب اللذات والتمتع ما تتطلع النفوس إليه فتود مفارقة ما هي فيه إلى ما هو خير منه . أي هم يجدون فيها كل ما يخامر أنفسهم من المشتهى .
والحول : مصدر بوزن العوج والصغر . وحرف العلة يصحح في هذه الضيفة لكن الغالب فيما كان على هذه الزنة مصدرا التصحيح مثل : الحول وفيما كان منها جمعا الإعلال نحو : الحيل جمع حيلة . وهو من ذوات الواو مشتق من التحول .
( قل لو كان البحر مدادا لكلمت ربى لنفد البحر قبل أن تنفد كلمت ربي ولو جئنا بمثله مددا [ 109 ] ) لما ابتدئت هذه السورة بالتنويه بشأن القرآن ثم أفيض فيها من أفانين الإرشاد والإنذار والوعد والوعيد وذكر فيها من أحسن القصص ما فيه غيره وموعظة وما هو خفي من أحوال الأمم حول الكلام إلى الإيذان بأن كل ذلك قليل من عظيم علم الله تعالى .
فهذا استئناف ابتدائي وهو انتقال إلى التنويه بعلم الله تعالى مفيض العلم على رسوله A لأن المشركين لما سألوه عن أشياء يظنونها مفحمة للرسول وأن لا قبل له بعلمها علمه الله إياها وأخبر عنها أصدق خبر وبينها بأقصى ما تقبله أفهامهم وبما يقصر عنه علم الذين أغروا المشركين بالسؤال عنها وكان آخرها خبر ذي القرنين أتبع ذلك بما يعلم منه سعة علم الله تعالى وسعة ما يجري على وفق علمه من الوحي إذا أراد إبلاغ بعض ما في علمه إلى أحد من رسله . وفي هذا رد عجز السورة على صدرها