وافتتاح الجملة بالأمر بالقول للاهتمام بالمقول بإصغاء السامعين لأن مثل هذا الافتتاح يشعر بأنه في غرض منهم وكذلك افتتاحه باستفهامهم عن إنبائهم استفهاما مستعملا في العرض لأنه بمعنى : أتحبون أن ننبئكم بالأخسرين أعمالا وهو عرض تهكم لأنه منبئهم بذلك دون توقف على رضاهم .
A E وفي قوله ( بالأخسرين أعمالا ) إلى آخره تمليح إذ عدل فيه عن طريقه الخطاب بأن يقال لهم : هل ننبئكم بأنكم الأخسرون أعمالا إلى طريقة الغيبة بحيث يستشرفون إلى معرفة هؤلاء الأخسرين فما يروعهم إلا أن يعملوا أن المخبر عنهم هم أنفسهم .
والمقول لهم : المشركون توبيخا لهم وتنبيها على ما غفلوا عنه من خيبة سعيهم .
ونون المتكلم المشارك في قوله ( ننبئكم ) يجوز أن تكون نون العظمة راجعة إلى ذات الله على طريقة الالتفات في الحكاية . ومقتضى الظاهر أن يقال : هل ينبئكم الله أي سينبئكم ويجوز أن تكون للمتكلم المشارك راجعة إلى الرسول A وإلى الله تعالى لأنه ينبئهم بما يوحى إليه من ربه . ويجوز أن تكون راجعة للرسول وللمسلمين .
وقوله ( الذين ضل سعيهم ) بدل من ( الأخسرين أعمالا ) .
وفي هذا الإطناب زيادة التشويق إلى معرفة هؤلاء الأخسرين حيث أجرى عليهم من الأوصاف ما يزيد السامع حرصا على معرفة الموصوفين بتلك الأوصاف والأحوال .
والضلال : خطأ السبيل . شبه سعيهم غير المثمر بالسير في طريق غير موصلة .
والسعي : المشي في شدة . وهو هنا محاز في العمل كما تقدم عند قوله ( ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها ) في سورة الإسراء أي عملوا أعمالا تقربوا بها للأصنام يحسبونها مبلغة إياهم أغراضا وقد أخطأوها وهم يحسبون أنهم يفعلون خيرا .
وإسناد الضلال إلى سعيهم مجاز عقلي . والمعنى : الذين ضلوا في سعيهم .
وبين ( يحسبون ) و ( يحسنون ) جناس مصحف وقد مثل بهما في مبحث الجناس .
( أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيمة وزنا [ 105 ] ) جملة هي استئناف بياني بعد قوله ( هل ننبئكم ) .
وجيء باسم الإشارة لتمييزهم أكمل تميز لئلا يلتبسوا بغيرهم على نحو قوله تعالى ( وأولئك هم المفلحون ) .
وللتنبيه على أن المشار إليهم أحرياء بما بعد اسم الإشارة من حكم بسبب ما أجري عليهم من الأوصاف .
والآيات : القرآن والمعجزات .
والحبط : البطلان والدحض .
وقوله ( ربهم ) يجري على الوجه الأول في نون ( هل ننبئكم ) أنه إظهار في مقام الإضمار . ومقتضى الظاهر أن يقال : أولئك الذين كفروا بآياتنا . ويجري على الوجهين الثاني والثالث انه على مقتضى الظاهر .
ونون ( فلا نقيم لهم يوم القيامة وزنا ) على الوجه الأول في نون ( قل هل ننبئكم ) جارية على مقتضى الظاهر .
وأما على الوجهين الثالث والرابع فإنها التفات عن قوله ( بآيات ربهم ) ومقتضى الظاهر أن يقال : فلا يقيم لهم .
ونفي إقامة الوزن مستعمل في عدم الاعتداد بالشيء . وفي حقارته لأن الناس يزنون الأشياء المتنافس في مقاديرها والشيء التافه لا يوزن فشبهوا بالمحقرات على طريقة المكنية وأثبت لهم عدم الوزن تخييلا .
وجعل عدم إقامة الوزن مفرعا على حبط أعمالهم لأنهم بحبط أعمالهم صاروا محقرين لا شيء لهم من الصالحات .
( ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزوا [ 106 ] ) الإشارة إما إلى ما تقدم من وعيدهم في قوله ( إنا أعتدنا جهنم للكافرين نزلا ) أي ذلك الإعداد جزاؤهم .
وقوله ( جزاؤهم ) خبر عن اسم الإشارة . وقوله ( جهنم ) بدل من ( جزاؤهم ) بدلا مطابقا لأن إعداد جهنم هو عين جهنم وإعادة لفظ جهنم أكسبه قوة التأكيد ؛ وإما إلى مقدر في الذهن دل عليه السياق بينه ما بعده على نحو استعمال ضمير الشأن مع تقدير مبتدأ محذوف . والتقدير : الأمر والشأن ذلك جزاؤهم جهنم .
والباء للسببية و ( ما ) مصدرية أي بسبب كفرهم .
و ( اتخذوا ) عطف على ( كفروا ) فهو من صلة ( ما ) المصدرية . والتقدير : وبما اتخذوا آياتي ورسلي هزوا أي باتخاذهم ذلك كذلك