وقد كان ابتداء ذلك الوعد يوم قال النبي A " فتح اليوم من ردم ياجوج هكذا . وعقد بين إصبعيه الإبهام والسبابة " كما تقدم .
A E والدك في قراءة الجمهور مصدر بمعنى المفعول للمبالغة أي جعله مدكوكا أي مسوى بالأرض بعد ارتفاع . وقرأ عاصم وحمزة والكسائي وخلف ( جعله دكاء ) بالمد . والدكاء : اسم للناقة التي لا سنام لها وذلك على التشبيه البليغ .
وجملة ( وكان وعد ربي حقا ) تذييل للعلم بأنه لا بد له من أجل ينتهي إليه لقوله تعالى ( لكل أجل كتاب ) و ( لكل أمة أجل ) أي وكان تأجيل الله الأشياء حقا ثابتا لا يتخلف . وهذه الجملة بعمومها وما فيها من حكمة كانت تذييلا بديعا .
( وتركنا بعضهم يومئذ يموج في بعض [ 99 ] ) الترك : حقيقته مفارقة شيء شيئا كان بقربه ويطلق مجازا على جعل الشيء بحالة مخالفة لحالة سابقة تمثيلا لحال إلفائه على حالة تم تغييرها بحال من كان قرب شيء ثم ذهب عنه . وإنما يكون هذا المجاز مقيدا بحالة كان عليها مفعول ترك فيقيد أن ذلك آخر العهد وذلك يستتبع أنه يدوم على ذلك الحال الذي تركه عليها بالقرينة .
والجملة عطف على الجملة التي قبلها ابتداء من قوله ( حتى إذا بلغ بين الدين ) . فهذه الجملة لذكر صنع الله تعالى في هذه القصة الثالثة من قصص ذي القرنين إذ ألهمه دفع فساد ياجوج وماجوج . بمنزلة جملة ( قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب ) في القصة الأولى . وجملة ( كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا ) فجاء أسلوب حكاية هذه القصص الثلاث على نسق واحد .
و ( يومئذ ) هو يوم إتمام بناء السد المستفاد من قوله " فما استطاعوا أن يظهروه " الآية .
و ( يموج ) يضطرب تشبيها بموج البحر .
وجملة ( يموج ) حال من ( بعضهم ) أو مفعول ثان ل ( تركنا ) على تأويله ب ( جعلنا ) . أي جعلنا ياجوج وماجوج يومئذ مضطربين بينهم فصار فسادهم قاصرا عليهم ودفع عن غيرهم .
والنار تأكل نفسها ... إن لم تجد ما تأكله لأنهم إذا لم يجدوا ما اعتادوه من غزو الأمم المجاورة لهم رجع قويهم على ضعيفهم بالاعتداء .
( ونفخ في الصور فجمعنهم جمعا [ 99 ] وعرضنا جهنم يومئذ للكفرين عرضا [ 100 ] الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعا [ 101 ] ) تخلص " من أغراض الاعتبار بما في القصة من إقامة المصالح في الدنيا على أيدي من اختاره الله لإقامتها من خاصة أوليائه إلى غرض التذكير بالموعظة بأحوال الآخرة وهو تخلص يؤذن بتشبيه حال تموجهم بحال تموج الناس في المحشر تذكيرا للسامعين بأمر الحشر وتقريبا بحصوله في خيال المشركين فإن القادر على جمع أمة كاملة وراء هذا السد بفعل من يسره لذلك من خلقه هو الأقدر على جمع الأمم في الحشر بقدرته لأن متعلقات القدرة في عالم الآخرة أعجب . وقد تقدم أن من أهم أغراض هذه السورة إثبات البعث .
واستعمل الماضي موضع المضارع تنبيها على تحقيق وقوعه .
والنفخ في الصور تمثيلية مكنية تشبيها لحال الداعي المطاع وحال المدعو الكثير العدد السريع الإجابة بحال الجند الذين ينفذون أمر القائد بالنفير فينفخون في بوق النفير وبحال بقية الجند حين يسمعون بوق النفير فيسرعون إلى الخروج . على أنه يجوز أن يكون الصور من مخلوقات الآخرة .
والحالة الممثلة حالة غريبة لا يعلم تفصيلها إلا الله تعالى .
وتأكيد فعلي ( جمعناهم ) و ( عرضنا ) بمصدريهما لتحقق أنه جمع حقيقي وعرض حقيقي ليسا من المجاز وفي تنكير الجمع والعرض تهويل .
ونعت الكافرين ب ( الذين كانت أعينهم في غطاء ) للتنبيه على أن مضمون الصلة هو سبب عرض جهنم لهم أي الذين عرفوا بذلك في الدنيا .
والغطاء : مستعار لعدم الانتفاع بدلالة البصر على تفرد الله بالإلهية . وحرف ( من ) للظرفية المجازية . وهي تمكن الغطاء من أعينهم بحيث كأنها محوية للغطاء .
و ( عن ) للمجاوزة أي عن النظر فيما يحصل به ذكري .
ونفي استطاعتهم السمع أنهم لشدة كفرهم لا تطاوعهم نفوسهم للاستماع . وحذف مفعول ( سمعا ) لدلالة قوله ( عن ذكري ) عليه .
والتقدير : سمعا لآياتي فنفي الاستطاعة مستعمل في نفي الرغبة وفي الإغراض كقوله ( وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر )