والحديد : معدن من معادن الأرض يكون قطعا كالحصى ودون ذلك يكون فيها صلابة . وهو يصنف ابتداء إلى صنفين : لين ويقال له الحديد الأنثى وصلب ويقال له الذكر . ثم يصنف إلى ثمانية عشر صنفا . ألوانه متقاربة وهي السنجابي منها ما هو إلى الحمرة . ومنها ما هو إلى البياض . وهو إذا صهر بنار قوية في أتون مغلق التأمت أجزاؤه وتجمعت في وسط النار كالاسفنجة واشتدت صلابته لأنه بالصهر يدفع مكان فيه من الأجزاء الترابية وهي المسماة بالصدأ والخبث فتعلو تلك الأجزاء على سطحه وهي الزبد . وخبث الحديد الوارد في الحديث " إن المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد " ولذلك فبمقدار ما يطفو من تلك الجزاء الغريبة الخبيثة يخلص الجزء الحديدي ويصفو ويصير زبرا . ومن تلك الزبر تصنع الأشياء الحديدية من سيوف وزجاج ودروع ولأمات ولا وسيلة لصنعه إلا الصهر أيضا بالنار بحيث تصير الزبرة كالجمر فحينئذ تشكل بالشكل المقصود بواسطة المطارق الحديدية .
وقوله ( حتى ساوى بين الصدفين ) أشعرت ( حتى ) بشيء مغيا قبلها وهو كلام محذوف تقديره : فآتوه زبر الحديد فنضدها وبناها حتى إذا جعل بين الصدفين . وهذا إيجاز الحذف . والمساواة ك جعل الأشياء متساوية أي متماثلة في مقار أو وصف .
والصدفان بفتح الصاد وفتح الدال في فقراءة الجمهور وهو الأشهر . وقرأه ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب بضم الصاد والدال وهو لغة . وقرأه أبو بكر عن عاصم بضم الصاد وسكون الدال .
والصدف : جانب الجبل وهما جانبا الجبلين وهما السدان . وقال ابن عطية والقزويني في الكشف : إلا صدفان بالثنية ولا يقال لأحدهما صدف لأن أحدهما يصادف الآخر أي فالصدفان اسم لمجموع الجانبين مثل المقصان لما يقطع به الثوب ونحوه .
وعن أبي عيسى : الصدف كل بناء عظيم مرتفع .
والخطاب في قوله ( انفخوا ) وقوله ( آتوني ) خطاب للعملة . وحذف متعلق ( انفخوا ) لظهوره من كون العمل من صنع الحديد . والتقدير : انفخوا في الكيران المصفوفة على طول ما بين الصدفين وزبر الحديد .
وقرأ الجمهور ( آتوني ) مثل الأول .
وقرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم ( ائتوني ) على أنه أمر من الإتيان . أي أمرهم أن يحضروا للعمل .
والقطر بكسر القاف : النحاس المذاب .
وضمير ( اسطاعوا ) و ( استطاعوا ) ليأجوج وماجوج .
والظهور : العلو . كسر الردم وعدم استطاعتهم ذلك لارتفاعه وصلابته .
و ( اسطاعوا ) تخفيف ( استطاعوا ) . والجمع بينهما تفنن في فصاحة الكلام كراهية إعادة الكلمة . وابتدئ بالأخف منهما لأنه وليه الهمز وهو حرف ثقيل لكونه من الحلق بخلاف الثاني إذ وليه اللام وهو خفيف .
ومقتضى الظاهر أن يبتدأ بفعل ( استطاعوا ) ويثنى بفعل ( اسطاعوا ) لأنه يثقل بالتكرير كما وقع في قوله آنف ( سأنبئك بتأويل ما لم تستطع عليه صبرا ) .
ومن خصائص مخالفة مقتضى الظاهر هنا إيثار فعل ذي زيادة في المبنى بموقع فيه زيادة المعنى لأن استطاعة نقب السد أقوى من استطاعة تسلقه فهذا من مواضع دلالة زيادة المبنى على زيادة في المعنى .
وقرأ حمزة وحده ( فما اسطاعوا ) الأول بتشديد الطاء مدغما فيها التاء .
وجملة ( قال هذا رحمة من ربي ) مستأنفة استئنافا بيانيا لأنه لما آذن الكلام بانتهاء حكاية وصف الردم كان ذلك مثيرا سؤال من يسأل : ماذا صدر من ذي القرنين حين أتم هذا العمل العظيم ؟ فيجاب بجملة ( قال هذا رحمة من ربي ) .
والإشارة بهذا إلى الردم . وهو رحمة للناس لما فيه من رد فساد أمة ياجوج وماجوج عن أمة أخرى صالحة .
و ( من ) ابتدائية . وجعلت من الله لأن الله ألهمه لذلك ويسر له ما هو صعب .
وفرع عليه ( فإذا جاء وعد ربي جعله دكا ) نطقا بالحكمة لأنه يعلم أن كل حادث صائر إلى زوال . ولأنه علم أن عملا عظيما مثل ذلك يحتاج إلى التعهد والمحافظة عليه من الانهدام . وعلم أن ذلك لا يتسنى في بعض أزمان انحطاط المملكة الذي لا محيض منه لكل ذي سلطان .
والوعد : هو الإخبار بأمر مستقبل وأراد به ما في علم الله تعالى من الأجل الذي ينتهي إليه دوام ذلك الردم . فاستعار له اسم الوعد . ويجوز أن يكون الله قد أوحى إليه إن كان نبيا أو ألهمه إن كان صالحا أن لذلك الردم أجلا معينا ينتهي إليه