ويظهر أن هذا السبب اتجه به إلى جهة غير جهتي المغرب والمشرق فيحتمل أنها الشمال أو الجنوب . وعينه المفسرون أنه للشمات وبنوا على أن ذا القرنين هو إسكندر المقدوني فقالوا : إن جهة السدين بين " أرمينيا وأذربيجان " . ونحن نبني على ما عيناه في الملقب بذي القرنين فنقول : إن موضع السدين هو الشمال الغربي لصحراء " قوبي " الفاصلة بين الصين وبلاد المغول شمال الصين وجنوب " مغوليا " . وقد وجد السد هنالك ولم تزل آثاره إلى اليوم شاهدها الجغرافيون والسائحون وصورت صورا شمسية في كتب الجغرافيا وكتب التاريخ العصرية .
ومعنى ( لا يكادون يفقهون قولا ) أنهم لا يعرفون شيئا من قول غيرهم فلغتهم مخالفة للغات الأمم المعروفة بحيث لا يعرفها تراجمة ذي القرنين لأن شأن الملوك أن يتخذوا تراجمة ليترجموا لغات الأمم الذين يحتاجون إلى مخاطبتهم فهؤلاء القوم كانوا يتكلمون بلغة غريبة لانقطاع أصقاعهم عن الأصقاع المعروفة فلا يوجد من يستطيع إفهامهم مراد الملك ولا هم يستطيعون الإفهام .
ويجوز أن يكون المعنى أنهم قوم متوغلون في البداوة والبلاهة فلا يفهمون ما يقصده من يخاطبهم .
وقرأ الجمهور ( يفقهون ) بفتح الياء التحتية وفتح القاف أي لا يفهمون قول غيرهم . وقرأ حمزة والكسائى بضم الياء وكسر القاف أي لا يستطيعون إفهام غيرهم قولهم . والمعنيان متلازمان . وهذا كما في حديث الإيمان " نسمع دوي صوته ولا نفهم ما يقول " .
وهؤلاء القوم مجاورون ياجوج وماجوج . وكانوا أضعف منهم فسألوا ذا القرنين أن يقيهم من فساد ياجوج وماجوج . ولم يذكر المفسرون تعين هؤلاء القوم ولا أسماء قبيلتهم سوى أنهم قالوا : كم في منقطع بلاد الترك نحو المشرق وكانوا قوما صالحين فلا شك أنهم من قبائل بلاد الصين التي تتأخم بلاد المغول والتتر .
وجملة ( قالوا ) استئناف للمحاورة . وقد بينا في غير موضع أن جمل حكاية القول في المحاورات لا تقترن بحرف العطف كما في قوله تعالى ( قالوا أتجعل فسها من يفسد فيها ) الآية . فعلى أول الاحتمالين في معنى ( لا يكادون يفقهون قولا ) أنهم لا يدركون ما يطلب منهم من طاعة ونظام ومع ذلك يعربون عما في نفوسهم من الأغراض مثل إعراب الأطفال . وعلى الاحتمال الثاني أنهم أمكنهم أن يفهم مرادهم بعد لأي .
وافتتاحهم الكلام بالنداء أنهم نادوه نداء المستغيثين المضطرين . ونداؤهم إياه بلقب ذي القرنين على أنه مشهور بمعنى ذلك اللقب بين الأمم المتاخمة لبلاده .
وياجوج وماجوج أمة كثيرة العدد فيحتمل أن الواو الواقعة بين الاسمين حرف عطف فتكون أمة ذات شعبين . وهم المغول وبعض أصناف التتار . وهذا هو المناسب لأصل رسم الكلمة ولا سيما على القول بأنهما اسمان عربيان كما سيأتي فقد كان الصنفان متجاورين .
ووقع لعلماء التأريخ وعلماء الأنساب اختلاف إطلاق اسمي المغول والتتار كل على ما يطلق عليه الآخر لعسر التفرقة بين المتقاربين منهما . وقد قال بعض العلماء : إن المغول هم ماجوج بالميم اسم جد لهم يقال أيضا " سكيشوس " . وكان الاسم العام الذي يجمع القبيلتين ماجوج ثم أنقسمت الأمة فسميت فروعها بأسماء خاصة فمنها ماجوج وياجوج وتتر ثم التركمان ثم الترك . ويحتمل أن الواو المذكورة ليست عاطفة ولكنها جاءت في صورة العاطفة فيكون اللفظ كلمة واحدة مركبة تركيبا مزجيا . فيتكون اسما لأمة وهم المغول .
والذي يجب اعتماده أن اعتماده أن ياجوج وماجوج هم المغول والتتر .
وقد ذكر أبو الفداء أن ماجوج هم المغول فيكون ياجوج هم التتر . وقد كثرت التتر على المغول فاندمج المغول في التتر وغلب اسم التتر على القبيلتين . وأوضح شاهد على ذلك ما ورد في حديث أم حبيبة عن زينب بنت جحش أن النبي " ص " دخل عليها فزعا يقول : " لا اله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب . فتح اليوم من ردم ياجوج وماجوج مثل هذه " . وحلق بأصبعيه الإبهام والتي تليها . وقد تقدم آنفا .
ولا يعرف بالضبط وقت إنطلاقهم من بلادهم ولا سبب ذلك . ويقدر أن انطلاقهم كان أواخر القرن السادس الهجري . وتشتت ملك العرب بأيدي المغول والتتر من خروج جنكيز خان المغولي واستيلائه على بخارى سنة ست عشرة وستمائة من الهجرة ووصلوا ديار بكر سنة 628 هجرية ثم ماكان من تخريب هولاكو بغداد عاصمة ملك العرب سنة 660 هجرية .
A E