والثالث : هو حوادث تكثر أمثالها تختص بشخص واحد فنزلت الآية لإعلانها وبيان أحكامها وزجر من يرتكبها فكثيرا ما تجد المفسرين وغيرهم يقولون نزلت في كذا وكذا وهم يريدون أن من الأحوال التي تشير إليها تلك الآية تلك الحالة الخاصة فكأنهم يريدون التمثيل . ففي كتاب الأيمان من صحيح البخاري في باب قول الله تعالى ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) أن عبد الله بن مسعود قال : " قال رسول الله من حلف على يمين صبر يقتطع بها مال امرئ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان " فأنزل الله تصديق ذلك ( إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا ) الآية فدخل الأشعث بن قيس فقال ما حدثكم أبو عبد الرحمان ؟ فقالوا كذا وكذا قال في أنزلت لي بئر في أرض بن عم لي الخ فابن مسعود جعل الآية عامة لأنه جعلها تصديقا لحديث عام ؟ والأشعث بن قيس ظنها خاصة به إذ قال " في أنزلت " بصيغة الحصر . ومثل الآيات النازلة في المنافقين في سورة براءة المفتتحة بقوله تعالى ( ومنهم - ومنهم ) ولذلك قال ابن عباس : كنا نسمي سورة التوبة سورة الفاضحة . ومثل قوله تعالى ( ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولا المشركين أن ينزل عليكم من خير من ربكم ) فلا حاجة لبيان أنها نزلت لما أظهر بعض اليهود مودة المؤمنين . وهذا القسم قد أكثر من ذكره أهل القصص وبعض المفسرين ولا فائدة في ذكره على أن ذكره قد يوهم القاصرين قصر الآية على تلك الحادثة لعدم ظهور العموم من ألفاظ تلك الآيات .
والرابع : هو حوادث حدثت وفي القرآن آيات تناسب معانيها سابقة أو لاحقة فيقع في عبارات بعض السلف ما يوهم أن تلك الحوادث هي المقصود من تلك الآيات مع أن المراد أنها مما يدخل في معنى الآية ويدل لهذا النوع وجود اختلاف كثير بين الصحابة في كثير من أسباب النزول كما هو مبسوط في المسألة الخامسة من بحث أسباب النزول من الإتقان فارجعوا إليه ففيه أمثلة كثيرة . وفي صحيح البخاري في سورة النساء أن ابن عباس قرأ قوله تعالى ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمنا ) بألف بعد لام السلام وقال كان رجل في غنيمة له " تصغير غنم " فلحقه المسلمون فقال السلام عليكم فقتلوه " أي ظنوه مشركا يريد أن يتقي منهم بالسلام " وأخذوا غنيمته فأنزل الله في ذلك ( ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام ) الآية . فالقصة لابد أن تكون قد وقعت لأن ابن عباس رواها لكن الآية ليست نازلة فيها بخصوصها ولكن نزلت في أحكام الجهاد بدليل ما قبلها وما بعدها فإن قبلها ( يا أيها الذين آمنوا إذا ضربتم في سبيل الله فتبينوا ) وبعدها ( فعند الله مغانم كثيرة كذلك كنتم من قبل ) . وفي تفسير تلك السورة من صحيح البخاري بعد أن ذكر نزاع الزبير والأنصاري في ماء شراج الحرة قال الزبير : فما أحسب هذه الآيات إلا نزلت في ذلك ( فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ) الآية قال السيوطي في الإتقان عن الزركشي قد عرف من عادة الصحابة والتابعين أن أحدهم إذا قال نزلت هذه الآية في كذا فإنه يريد بذلك أنها تتضمن هذا الحكم لا أن هذا كان السبب في نزولها . وفيه عن ابن تيمية قد تنازع العلماء في قول الصحابي : نزلت هذه الآية في كذا هل يجري مجرى المسند أو يجري مجرى التفسير ؟ فالبخاري يدخله في المسند وأكثر أهل المسانيد لا يدخلونه فيه بخلاف ما إذا ذكر سببا نزلت عقبه فإنهم كلهم يدخلونه في المسند .
A E