والتفجير : مصدر فجر بالتشديد مبالغة غي الفجر وهو الشق باتساع . ومنه سمي فجر الصباح فجرا لأن الضوء يشق الظلمة شقا طويلا عريضا فالتفجير أشد من مطلق الفجر وهو تشقيق شديد باعتبار اتساعه . ولذلك ناسب الينبوع هنا والنهر في قوله تعالى ( وفجرنا خلالهما نهرا ) وقوله ( فتفجر الأنهار ) .
وقرأه الجمهور " بضم التاء وتشديد الجيم " على أنه مضارع ( فجر ) المضاعف . وقرأه عاصم وحمزة والكسائي وخلف " بفتح التاء وسكون الفاء وضم الجيم مخففة " على أنه مضارع فجر كنصر فلا التفات فيها للمبالغة لأن الينبوع يدل على المقصود أو يعبر عن مختلف أقوالهم الدالة على التصميم في الامتناع .
ومعنى ( لن نؤمن لك ) لن نصدقك أنك رسول الله إلينا .
والإيمان : التصديق . يقال : آمنة أي صدقه . وكثر أن يعدى إلى المفعول باللام قال تعالى ( وما أنت بمؤمن لنا ) وقال ( فآمن له لوط ) . وهذه اللام من قبيل ما سماه في مغني اللبيب لام التبيين . وغفل عن التمثيل لها بهذه الآية ونحوها فإن مجرور اللام بعد فعل ( نؤمن ) مفعول لا التباس له بالفاعل وإنما تذكر اللام لزيادة البيان والتوكيد . وقد يقال : إنها لدفع التباس مفعول فعل ( آمن ) بمعنى صدق بمفعول فعل ( آمن ) إذا جعله أمينا . وتقدم قوله تعالى ( فما آمن لموسى إلا ذرية من قومه ) في سورة يونس .
والينبوع : اسم للعين الكثيرة النبع التي لا ينضب ماؤها . وصيغة يفعول صيغة مبالغة غير قياسية . والينبوع مشتقة من مادة النبع ؛ غير أن الأسماء الواردة على هذه الصيغة مختلفة فيعضها ظاهر اشتقاقه كالينبوع والينبوت وبعضها خفي كاليعبوب للفرس الكثير الجري . وقيل : اشتق من العب المجازي . ومنه أسماء معربة جاء تعريبها على وزن يفعول مثل : يكسوم اسم قائد حبشي ويرموك اسم نهر . وقد استقرى الحسن الصاغاني ما جاء من الكلمات في العربية على وزن يفعول في مختصر له مرتب على حروف العجم . وقال السيوطي في المزهر : إن ابن دريد عقد له في الجمهرة بابا .
والجنة والنخيل والعنب والأنهار تقدمت في قزله ( أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجري من تحتها الأنهار ) في سورة البقرة .
وخصوا هذه الجنة بأن تكون له لأن شأن الجنة أن تكون خاصة لملك واحد معين فأروه أنهم لا يبتغون من هذا الاقتراح نفع أنفسهم ولكنهم يبتغون حصوله ولو كان لفائدة المقترح عليه . والمقترح هو تفجير الماء في الأرض القاحلة . وإنما ذكروا وجود الجنة تمهيدا لتفجير أنهار خلالها فكأنهم قالوا : حتى تفجر لنا ينبوعا يسقي الناس كلهم أو تفجر أنهارا تسقي جنة واحدة تكون تلك الجنة وأنهارها لك . فنحن مقتنعون بحصول ذلك لا بغية الانتفاع منه . وهذا كقولهم : ( أو يكون لك بيت من زخرف ) .
وذكر المفعول المطلق بقوله ( تفجيرا ) للدلالة على التكثير لأن ( تفجر ) قد كفى في الدلالة على المبالغة في الفجر فتعين أن يكون الإتيان بمفعوله المطلق للمبالغة في العدد كقوله تعالى ( ونزلناه تنزيلا ) وهو المناسب لقوله ( خلالها ) لأن الجنة تتخللها شعب النهر لسقي الأشجار . فجمع الأنهار باعتبار تشعب ماء النهر إلى شعب عديدة . ويدل لهذا المعنى إجماع القراء على قراءة ( فتفجر ) هنا بالتشديد مع اختلافهم في الذي قبله . وهذا من لطائف معاني القراءات المروية عن النبي A فهي من أفانين إعجاز القرآن