وموقع ( إن فضله كان عليك كبيرا ) موقع التعليل للاستثناء المنقطع أي لكن رحمة من ربك منعت تعلق المشيئة بإذهاب الذي أوحينا إليك لأن فضله كان عليك كبيرا فلا يحرمك فضل الذي أوحاه إليك . وزيادة فعل " كان " لتوكيد الجملة زيادة على توكيدها بحرف التوكيد المستعمل في معنى التعليل والتفريع .
( قل لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن لا يأتون بمثله ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا [ 88 ] ) استئناف للزيادة في الامتنان . وهو استئناف بياني لمضمون جملة ( إن فضله كان عليك كبيرا ) . وافتتاحه ب ( قل ) للاهتمام به . وهذا تنويه يشرف القرآن فكان هذا التنويه امتنانا على الذين آمنوا به وهم الذين كان لهم شفاء ورحمة وتحديا بالعجز على الإتيان بمثله للذين أعرضوا عنه وهم الذين لا يزيدهم إلا خسارا .
واللام موطئة للقسم .
وجملة ( لا يأتون بمثله ) جواب القسم المحذوف .
وجرد الجواب من اللام الغالب اقترانها بجواب القسم كراهية اجتماع لامين : لام القسم ولام النافية .
ومعنى الاجتماع : الاتفاق واتحاد الرأي أي لو تواردت عقول الإنس والجن على أن يأتي كل واحد منهم بمثل هذا القرآن لما أتوا بمثله . فهو اجتماع الرأي لا اجتماع التعاون كما تدل عليه المبالغة في قوله بعده ( ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) .
وذكر الجن مع الإنس لقصد التعميم كما يقال ( لو اجتمع أهل السماوات والأرض ) . وأيضا لأن المتحدين بإعجاز القرآن كانوا يزعمون أن الجن يقدرون على الأعمال العظيمة .
والمراد بالمماثلة للقرآن : المماثلة في مجموع الفصاحة والبلاغة والمعاني والآداب والشرائع . وهي نواحي إعجاز القرآن اللفظي والعلمي .
وجملة ( لا يأتون ) جواب القسم الموطأ له باللام . وجواب ( إن ) الشرطية محذوف دل عليه جواب القسم .
وجملة ( ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا ) في موقع الحال من ضمير ( لا يأتون ) .
و ( لو ) وصلية وهي تفيد أن ما بعدها مظنة أن لا يشمله ما قبلها . وقد تقدم معناها عند قوله ( ولو افتدى به ) في آل عمران .
والظهير : المعين . والمعنى : ولو تعاون الإنس والجن على أن يأتوا بمثله لما أتوا بمثله فكيف بهم إذا حاولوا ذلك متفرقين .
وفائدة هذه الجملة تأكيد معنى الاجتماع المدلول بقوله ( لئن اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثل هذا القرآن ) أنه اجتماع تظافر على عمل واحد ومقصد واحد .
وهذه الآية مفحمة للمشركين في التحدي بإعجاز القرآن .
( ولقد صرفنا للناس في هذا القرآن من كل مثل فأبى أكثر الناس إلا كفورا [ 89 ] ) لما تحدى الله بلغاء المشركين بالإعجاز تطاول عليهم بذكر فضائل القرآن على ما سواه من الكلام مدمجا في ذلك النعي عليهم إذ حرموا أنفسهم الانتفاع بما في القرآن من كل مثل . وذكرت هنا ناحية من نواحي إعجازه وهي ما اشتمل عليه من أنواع الأمثال . وتقدم ذكر المثل عند قوله تعالى ( إن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما ) في سورة البقرة . ويجوز أن يراد بالمثل الحال أي من كل حال حسن من المعاني يجدر أن يمثل به ويشبه ما يزاد بيانه في نوعه .
فجملة ( ولقد صرفنا ) معطوفة على جملة ( قل لئن اجتمعت الإنس والجن ) مشاركة لها في حكمها المتقدم بيانه زيادة في الامتنان والتعجيز .
وتأكيدها بلام القسم وحرف التحقيق لرد أفكار المشركين أنه من عند الله فمورد التأكيد هو فصل ( صرفنا ) الدال على أنه من عند الله .
والتصريف تقدم آنفا عند قوله تعالى ( ولقد صرفنا في هذا القرآن ليذكروا ) .
وزيد في هذه الآية قيد ( للناس ) دون الآية السابقة لأن هذه الآية واردة في مقام التحدي والإعجاز فكان الناس مقصودين به قصدا أصليا مؤمنهم وكافرهم بخلاف الآية المتقدمة فإنها في مقام توبيخ المشركين خاصة فكانوا معلومين كما تقدم .
A E