ولقد شفى نفسي وابرأ سقمها ... قيل الفوارس : وبك عنتر قدم والمعنى : أن القرآن كله شفاء ورحمة للمؤمنين ويزيد خسارة للكافرين لأن كل آية من القرآن من أمره ونهيه ومواعظه وقصصه وأمثاله ووعده ووعيده كل آية من ذلك مشتملة على هدي وصلاح حال للمؤمنين المتبعينه .
A E ومشتملة بضد ذلك على ما يزيد غيظ المستمرين على الظلم . أي الشرك . فيزدادون بالغيظ كراهية للقرآن فيزدادون بذلك خسارا بزيادة آثامهم واستمرارهم على فاسد أخلاقهم وبعد ما بينهم وبين الإيمان . وهذا كقوله ( فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم وماتوا وهم كافرون ) .
وفي الآية دليل على أن في القرآن آيات يشتفى بها من الأدواء والآلام ورد تعيينها في الأخبار الصحيحة فشملتها الآية بطريقة استعمال المشترك في معنييه . وهذا مما بينا تأصيله في المقدمة التاسعة من مقدمات هذا التفسير .
والأخبار الصحيحة في قراءة آيات معينة للاستشفاء من أدواء موصوفة بله الاستعاذة بآيات منه من الضلال كثيرة في صحيح البخاري وجامع الترمذي وغيرهما . وفي الحديث الصحيح عن أبي سعيد الخدري " Bه " قال : " بعثنا رسول الله في سرية ثلاثين راكبا فنزلنا على قوم من العرب فسألناهم أن يضيفونا فأبوا فلدغ سيد الحي فأتونا فقالوا : أفيكم أحد يرقي من العقرب ؟ قال : قلت : نعم ولكن لا أفعل حتى يعطونا فقالوا : فإنا نعطيكم ثلاثين شاة . قال : فقرأت عليه فاتحة الكتاب سبع مرات فبرأ " الحديث . وفيه : " حتى أتينا رسول الله فأخبرته فقال : وما يدريك أنها رقية قلت : يا رسول الله شيء ألقي في روعي " أي إلهام ألهمه الله " قال : كلوا وأطعمونا من الغنم " . فهذا تقرير من النبي A بصحة إلهام أبي سعيد " Bه " .
( وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونئا بجانبه وإذا مسه الشر كان يؤسا [ 83 ] ) لما كان القرآن نعمة عظيمة للناس وكان إعراض المشركين عنه حرمانا عظيما لهم من خيرات كثيرة ولم يكن من شان أهل العقول السليمة أن يرضوا بالحرمان من الخير كان الإخبار عن زيادته الظالمين خسارا مستغربا من شانه أن يثير في نفوس السامعين التساؤل عن سبب ذلك أعقب ذلك ببيان السبب النفساني الذي يوقع العقلاء في مهواة هذا الحرمان وذلك بعد الاستغال بما هو فيه من نعمة هويها وأولع بها . وهي نعمة تتقاصر عن أوج تلك النعم التي حرم منها لولا الهوى الذي علق بها والغرور الذي أراه إياها قصارى المطلوب وما هي إلا إلى زوال قريب كما أشار إليه قوله تعالى ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) وقوله ( لا يغرنك تقلب الذين كفروا في البلاد متاع قليل ) .
فهذه الجملة مضمونها مقصود بذاته استفيد بيانها بوقوعها عقب التي قبلها .
والتعريف في ( الإنسان ) تعريف الجنس وهو يفيد الاستغراق وهو استغراق عرفي أي أكثر أفراد الإنسان لأن أكثر الناس يومئذ كفار وأكثر العرب مشركون . فالمعنى : إذا أنعمنا على المشركين أعرضوا وإذا مسهم الشر يئسوا . وهذا مقابل حال أهل الإيمان الذين كان القرآن شفاء لأنفسهم وشكر النعمة من شيمهم والصبر على الضر من خلقهم .
والمراد بالإنعام : إعطاء النعمة . وليس المراد النعم الكاملة من الإيمان والتوفيق كما في قوله ( صراط الذين أنعمت عليهم ) . وقوله ( أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين ) .
والإعراض : الصد . وضد الإقبال . وتقدم عند قوله تعالى ( فأعرض عنهم وعظهم ) في سورة النساء . وقوله ( وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فأعرض عنهم ) في سورة الأنعام .
والنأي : البعد . وتقدم في قوله تعالى ( وينأون عنه ) في سورة الأنعام .
والجانب : الجنب . وهو الجهة من الجسد التي فيها اليد . وهما جانبان : يمين ويسار .
والباء في قوله ( بجانبه ) للمصاحبة أي بعد مصاحبا لجانبه أي مبعدا جانبه . والبعد بالجانب تمثيل الإجفال من الشيء . قال عنترة : .
" وكأنما ينأى بجانب دفها الوحشي من هزج العشي مؤوم فالمفاد من قوله ( ونأى بجانبه ) صد عن العبادة والشكر . وهذا غير المفاد من معنى ( أعرض ) فليس تأكيدا له . فالمعنى : أعرض وتباعد