ومنهم من فسر المدخل بأن المخرج الإخراج إلى فتح مكة والمدخل الإدخال إلى بلد مكة فاتحا وجعل الآية نازلة قبيل الفتح فبنى عليه أنها مدنية وهو مدخول من جهات . وقد تقدم أن السورة كلها مكية على الصحيح .
A E والنصير : مبالغة في الناصر أي سلطانا ينصرني . وإذا قد كان العمل القائم به النبي هو الدعوة إلى الإسلام كان نصره تأييدا له فيما هو قائم به فصار هذا الوصف تقييدا للسلطان بأنه لم يسأل سلطانا للاستعلاء على الناس وإنما سأل سلطانا لنصره فيما يطلب النصرة وهو التبليغ وبث الإسلام في الناس .
( وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا [ 81 ] ) أعقب تلقينه الدعاء بسداد أعماله وتأييده فيها بأن لقنه هذا الإعلان المنبئ بحصول إجابة الدعوة الملهمة بإبراز وعده بظهور أمره في صورة الخبر عن شيء مضى .
ولما كانت دعوة الرسول هي لإقامة الحق وإبطال الباطل كان الوعد بظهور الحق وعدا بظهور أمر الرسول وفوزه على أعدائه واستحفظه الله هذه الكلمة الجليلة إلى أن ألقاها يوم فتح مكة على مسامع من كانوا أعداءه فإنه لما دخل الكعبة ووجد فيها وحولها الأصنام جعل يشير إليها بقضيب ويقول ( جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) فتسقط تلك الأنصاب على وجوهها .
ومجيء الحق مستعمل في إدراك الناس إياه وعملهم به وانتصار القائم به على معاضديه تشبيها للشيء الظاهر بالشيء الذي كان غايبا فورد جائيا .
و ( زهق ) اضمحل بعد وجود . ومصدره الزهوق والزهق . وزهوق الباطل مجاز في تركه أصحابه فكأنه كان مقيما بينهم ففارقهم . والمعنى : استقر وشاع الحق الذي يدعوا إليه النبي وانقض الباطل الذي كان النبي A ينهى عنه .
وجملة ( إن الباطل زهوقا ) تذييل للجملة التي قبله لما فيه من عموم يشمل كل باطل في كل زمان . وإذا كان هذا شأن الباطل كان الثبات والانتصار شأن الحق لأنه ضد الباطل فإذا انتفى الباطل ثبت الحق .
وبهذا كانت الجملة تذييلا لجميع ما تضمنته الجملة التي قبلها . والمعنى : ظهر الحق في هذه الأمة وانقضى الباطل فيها وذلك شأن الباطل فيما مضى من الشرائع أنه لا ثبات له .
ودل فعل " كان " على أن الزهوق شنشنة الباطل وشأنه في كل زمان أنه يظهر ثم يضمحل كما تقدم في قوله تعالى ( أكان للناس عجبا ) في صدر سورة يونس .
( وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين ولا يزيد الظالمين إلا خسارا [ 82 ] ) عطف على جملة ( وقل جاء الحق وزهق الباطل ) على ما في تلك الجملة والجمل التي سبقتها من معنى التأييد للنبي A ومن الإغاظة للمشركين ابتداء من قوله ( وإن كادوا ليفتنونك عن الذي أوحينا إليك ) . فإنه بعد أن امتن عليه بأن أيده بالعصمة من الركون إليهم وتبشيره بالنصرة عليهم وبالخلاص من كيدهم وبعد أن هددهم بأنهم صائرون قريبا إلى هلاك وأن دينهم صائر إلىالاضمحلال أعلن له ولهم في هذه الآية : أن ما منه غيظهم وحنقهم وهو القرآن الذي طمعوا أن يسألوا النبي أن يبدله بقرآن ليس فيه ذكر أصنامهم بسوء أنه لا يزال متجددا مستمرا فيه شفاء للرسول وأتباعه وخسارة للظالمين ولأن القرآن مصدر الحق ومدحض الباطل أعقب قوله ( جاء الحق وزهق الباطل ) بقوله ( وتنزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة ) الآية . ولهذا اختير للإخبار عن التنزيل الفعل المضارع المشتق من فعل المضاعف للدلالة على التجديد والتكرير والتكثير وهو وعد بأنه يستمر هذا التنزيل زمنا طويلا .
و ( ما هو شفاء ) مفعول ( تنزل ) . و ( من القرآن ) بيان لما في ( ما ) من الإبهام كالتي في قوله ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) أي الرجس الذي هو الأوثان . وتقديم البيان لتحصيل غرض الاهتمام بذكر القرآن مع غرض الثناء عليه بطريق الموصولية بقوله ( ما هو شفاء ورحمة ) إلخ للدلالة على تمكن ذلك الوصف منه بحيث يعرف به . والمعنى : ننزل الشفاء والرحمة وهو القرآن . وليست " من " للتبعيض ولا للابتداء .
والشفاء حقيقته زوال الداء ويستعمل مجازا في زوال ما هو نقص وضلال وعائق عن النفع من العقائد الباطلة والأعمال الفاسدة والأخلاق الذميمة تشبيها له ببرء السقم كقول عنترة :