ومعنى الكفاية تولي الكافي مهم المكفي فالكافي هو متولي عمل عن غيره لأنه أقدر عليه أو لأنه يبتغي راحة المكفي . يقال : كفيت مهمك فيتعدى الفعل إلى مفعولين ثانيهما هو المهم المكفي منه . فالأصل أن يكون مصدرا فإذا كان اسم ذات فالمراد أحواله التي يدل عليها المقام فإذا قلت : كفيتك عدوك فالمراد : كفيتك بأسه وإذا قلت : كفيتك غريمك فالمراد : كفيتك مطالبته . فلما قال هنا ( كفيناك المستهزئين ) فهم أن المراد كفيناك الانتقام منهم وإراحتك من استهزائهم . وكانوا يستهزئون بصنوف من الاستهزاء كما تقدم .
ويأتي في آيات كثيرة من استهزائهم استهزاؤهم بأسماء سور القرآن مثل سورة العنكبوت وسورة البقرة كما في الإتقان في ذكر أسماء السور .
وعد من كبرائهم خمسة هم : الوليد بن المغيرة والأسود بن عبد يغوث والأسود بن المطلب والحارث بن عيطلة " ويقال ابن عيطل وهو اسم أمه دعي لها واسم أبيه قيس . وفي الكشاف والقرطبي أنه ابن الطلاطلة ومثله في القاموس وهي بضم الطاء الأولى وكسر الطاء الثانية " والعاصي بن وائل هلكوا بمكة متتابعين وكان هلاكهم العجيب المحكي في كتب السيرة صارفا أتباعهم عن الاستهزاء لانفراط عقدهم .
وقد يكون من أسباب كفايتهم زيادة الداخلين في الإسلام بحيث صار بأس المسلمين مخشيا ؛ وقد أسلم حمزة بن عبد المطلب Bه فاعتز به المسلمون ولم يبق من أذى المشركين إياهم إلا الاستهزاء ثم أسلم عمر ابن الخطاب " Bه " فخشيه سفهاء المشركين وكان إسلامه في حدود سنة خمس من البعثة .
ووصفهم ب ( الذين يجعلون مع الله إلها آخر ) للتشويه بحالهم ولتسلية الرسول A بأنهم ما اقتصروا على الافتراء عليه فقد افتروا على الله .
وصيغة المضارع في قوله تعالى ( يجعلون ) للإشارة إلى أنهم مستمرون على ذلك مجددون له .
وفرع على الأمرين الوعيد بقوله تعالى ( فسوف يعلمون ) . وحذف مفعول ( يعلمون ) لدلالة المقام عليه أي فسوف يعلمون جزاء بهتانهم .
( ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون [ 97 ] فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين [ 98 ] واعبد ربك حتى يأتيك اليقين [ 99 ] ) لما كان الوعيد مؤذنا بإمهالهم قليلا كما قال تعالى ( ومهلهم قليلا ) كما دل عليه حرف التنفيس في قوله تعالى ( فسوف يعلمون ) طمأن الله نبيه A بأنه مطلع على تحرجه من أذاهم وبهتانهم من أقوال الشرك وأقوال الاستهزاء فأمره بالثبات والتفويض إلى ربه لأن الحكمة في إمهالهم ولذلك افتتحت الجملة بلام القسم وحرف التحقيق .
وليس المخاطب ممن يداخله الشك في خبر الله تعالى ولكن التحقيق كناية عن الاهتمام بالمخبر وأنه بمحل العناية من الله ؛ فالجملة معطوفة على جملة ( إنا كفيناك المستهزئين ) أو حال .
وضيق الصدر : مجاز عن كدر النفس . وقد تقدم في قوله تعالى ( وضائق به صدرك ) في سورة هود .
وفرع على جملة ( ولقد نعلم ) أمره بتسبيح الله تعالى وتنزيهه عما يقولونه من نسبة الشريك أي عليك بتنزيه ربك فلا يضرك شركهم . على أن التسبيح قد يستعمل في معناه الكنائي مع معناه الأصلي فيفيد الإنكار على المشركين فيما يقولون أي فاقتصر في دفعهم على إنكار كلامهم . وهذا مثل قوله تعالى ( قل سبحان ربي هل كنت إلا بشرا رسولا ) .
والباء في ( بحمد ربك ) للمصاحبة . والتقدير : فسبح ربك بحمده ؛ فحذف من الأول لدلالة الثاني . وتسبح الله تنزيهه بقول : سبحان الله .
والأمر في ( وكن من الساجدين واعبد ربك ) مستعملان في طلب الدوام .
و ( من الساجدين ) أبلغ في الاتصاف بالسجود من ( ساجدا ) كما تقدم في قوله تعالى ( وكونوا مع الصادقين ) في سورة براءة وقوله ( قال أعوذ بالله أن أكون من الجاهلين ) في سورة البقرة ونظائرهما .
والساجدون : هم المصلون . فالمعنى : ودم على الصلاة أنت ومن معك .
A E وليس هذا موضع سجدة من سجود التلاوة عند أحد من فقهاء المسلمين . وفي تفسير القرطبي عن أبي بكر النقاش أن أبا حذيفة " لعله يعني به أبا حذيفة اليمان ابن المغيرة البصري من أصحاب عكرمة وكان منكر الحديث " واليمان بن رثاب " كذا " رأياها سجدة تلاوة واجبة