( فوربك لنسئلنهم أجمعين عما كانوا يعملون [ 93 ] ) الفاء للتفريع وهذا تفريع على ما سبق من قوله تعالى ( وإن الساعة لآتية فاصفح الصفح الجميل ) .
والوا للقسم فالمفرع هو القسم وجوابه . والمقصود بالقسم تأكيد الخبر . وليس الرسول A ممن يشك في صدق هذا الوعيد ؛ ولكن التأكيد متسلط على ما في الخبر من تهديد معاد ضمير النصب في ( لنسألنهم ) .
ووصف الرب مضافا إلى ضمير النبي A إيماء إلى أن في السؤال المقسم عليه حظا من التنويه به وهو سؤال الله المكذبين عن تكذيبهم إياه سؤال رب يغضب لرسوله A .
والسؤال مستعمل في لازم معناه وهو عقاب المسؤول كقوله تعالى ( ثم لتسألن يومئذ عن النعيم ) فهو وعيد للفريقين .
( فصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين [ 94 ] إنا كفيناك المستهزئين [ 95 ] الذين يجعلون مع الله إلها آخر فسوف يعلمون [ 96 ] ) تفريع على جملة ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) بصريحه وكنايته عن التسلية على ما يلاقيه من تكذيب قومه .
نزلت هذه الآية في السنة الرابعة أو الخامسة من البعثة ورسول الله A مختف في دار الأرقم بن أبي الأرقم . روي عن عبد الله بن مسعود قال : ما زال النبي A مستخفيا حتى نزلت ( فاصدع بما تؤمر ) فخرج هو وأصحابه . يعني أن رسول الله A لما نزلت سورة المدثر كان يدعو الناس خفية وكان من أسلم من الناس إذا أراد الصلاة يذهب إلى بعض الشعاب يستخفي بصلاته من المشركين فلحقهم المشركون يستهزئون بهم ويعيبون صلاتهم فحدث تضارب بينهم وبين سعد ابن أبي وقاص أدمى فيه سعد رجلا من المشركين . فبعد تلك الوقعة دخل رسول الله A وأصحابه دار الأرقم عند الصفا فكانوا يقيمون الصلاة بها واستمروا كذلك ثلاث سنين أو تزيد فنزل قوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر ) الآية . وبنزولها ترك الرسول A الاختفاء بدار الأرقم وأعلن بالدعوة للإسلام جهرا .
و الصدع : الجهر والإعلان . وأصله الانسقاق . ومنه انصداع الإناء أي انشقاقه . فاستعمل الصدع في لازم الانسقاق وهو ظهور الأمر المحجوب وراء الشيء المنصدع ؛ فالمراد هنا الجهر والإعلان .
وما صدق ( ما تؤمر ) هو الدعوة إلى الإسلام .
وقصد شمول الأمر كل ما أمر الرسول ( E ) بتبليغه هو نكتة حذف متعلق ( تؤمر ) فلم يصرح بنحو بتبليغه أو بالأمر به أو بالدعوة إليه . وهو إيجاز بديع .
والإعراض عن المشركين الإعراض عن بعض أحوالهم لا عن ذواتهم . وذلك إبايتهم الجهر بدعوة الإسلام بين ظهرانيهم وعن استهزائهم وعن تصديهم إلى أذى المسلمين . وليس الإعراض عن دعوتهم لأن قوله تعالى إلى أذى المسلمين . وليس المراد الإعراض عن دعوتهم لأن قوله تعالى ( فاصدع بما تؤمر ) مانع من ذلك وكذلك جملة ( إنا كفيناك المستهزئين ) .
وجملة ( إنا كفيناك المستهزئين ) تعليل للأمر بالإعلان بما أمر به فإن اختفاء النبي A بدار الأرقم كان بأمر من الله تعالى لحكمة علمها الله أهمها تعدد الداخلين في الإسلام في تلك المدة بحيث يغتاظ المشركون من وفرة الداخلين في الدين مع أن دعوته مخفية ثم إن الله أم رسوله " E " بإعلان دعوته لحكمة أعلى تهيأ اعتبارها في علمه تعالى .
والتعبير عنهم بوصف ( المستهزئين ) إيماء إلى أنه كفاه استهزاءهم وهو أقل أنواع الأذى فكفايته ما هو أشد من الاستهزاء من الأذى مفهوم بطريق الأحرى .
A E وتأكيد الخبر ب ( إن ) لتحقيقه اهتماما بشأنه لا للشك في تحققه .
والتعريف في ( المستهزئين ) للجنس فيفيد العموم أي كفيناك كل مستهزئ . وفي التعبير عنهم بهذا الوصف إيماء إلى أن قصارى ما يؤذونه به الاستهزاء كقوله تعالى ( لن يضروكم إلا أذى ) فقد صرفهم الله عن أن يؤذوا النبي بغير الاستهزاء . وذلك لطف من الله برسوله A