وقد وصف القرآن في سورة الزمر بالمثاني في قوله تعالى ( الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني ) فتهين أن السبع هي أشياء تجري تسميتها على التأنيث لأنها أجري عليها اسم عدد المؤنث . ويتعين أن المراد آيات أو سور من القرآن وأن ( من ) تبعيضية . وذلك أيضا شأن ( من ) إذا وقعت بعد اسم عدد . وأن المراد أجزاء من القرآن آيات أو سور لها مزية اقتضت تخصيصها بالذكر من بين سائر القرآن وأن المثاني أسماء القرآن كما ذلت عليه آية الزمر وكما اقتضته ( من ) التبعيضية ولكون المثاني غير السبع مغايرة بالكلية والجزئية تصحيحا للعطف .
و ( المثاني ) يجز أن يكون جمع مثنى " بضم الميم وتشديد النون " اسم مفعول مشتقا من ثنى إذا كرر تكريره . قيل ( المثاني ) جمع مثناة " بفتح الميم وسكون الثاء المثلثة وبهاء تأنيث في آخره " . فهو مشتق من اسم الاثنين .
والأصح أن السبع المثاني هي سورة فاتحة الكتاب لأنها يثنى بها أي تعاد في كل ركعة من الصلاة فاشتقاقها من اسم الاثنين المراد به مطلق التكرير فيكون استعماله هذا مجازا مرسلا بعلاقة الإطلاق أو كناية لأن التكرير لازم كما استعملت صيغة التثنية فيه في قوله تعالى ( ثم ارجع البصر كرتين ) أي كرات وفي قولهم : لبيك وسعديك ودواليك .
أو هو جمع مثناة مصدرا ميميا على وزن المفعلة أطلق المصدر على المفعول .
ثم إن كان المراد بالسبع سبع آيات فالمؤتى هو سورة الفاتحة لأنها سبع آيات وهذا الذي ثبت عن رسول الله A في حديث أبي سعيد بن المعلى وأبي بن كعب وأبي هريرة في الصحيح عن رسول الله A " أن أم القرآن هي السبع المثاني " فهو الأولى بالاعتماد عليه .
وقد تقدم ذلك في ذكر أسماء الفاتحة . ومعنى التكرير في الفاتحة أنها تكرر في الصلاة .
وعن ابن عباس : أن السبع المثاني هي السور السبع الطوال : أولاها البقرة وآخرها براءة . وقيل : السور التي فوق ذوات المثين .
وعطف ( القرآن ) على السبع من عطف الكل على الجزء لقصد التذعميم ليعلم أن إيتاء القرآن كله نعمة عظيمة . وفي حديث أبي سعيد بن المعلى قال : قال النبي A " والقرآن العظيم الذي أوتيه ) على تأويله بأن كلمة ( القرآن ) مرفوعة بالابتداء ( والذي أوتيته ) خبره .
وأجري وصف ( العظيم ) على القرآن تنويها به .
وإن كان المراد بالسبع سورا كما هو مروي من قول ابن عباس وكثير من الصحابة والسلف واختلفوا في تعيينها بما لا ينثلج له الصدر فيكون إبهامها مقصودا لصرف الناس للعناية بجميع ما نزل من سور القرآن كما أبهمت ليلة القدر .
( لا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم ولا تحزن عليهم واخفض جناحك للمؤمنين [ 88 ] وقل إني أنا النذير المبين [ 89 ] ) A E استئناف بياني لما يثيره المقصود من قوله تعالى ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) ومن تساؤل يجيش في النفس عن الإملاء للمكذبين في النعمة والترف مع ما رمقوا به من الغضب والوعيد فكانت جملة ( لا تمدن عينيك ) بيانا لما يختلج في نفس السامع من ذلك ولكونها بهذه المثابة فصلت عن التي قبلها فصل البيان عن المبين .
ولولا أن الجملة التي وقعت قبلها كانت بمنزلة التمهيد لها والإجمال لمضمونها لعطفت هذه الجملة لأنها تكون حينئذ مجرد نهي لا اتصال له بما قبله كما عطفت نظيرتها في قوله تعالى في سورة طه ( فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن إناء الليل فسبح وأطراف النهار لعلك ترضى ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به أزواجا منهم زهرة الحياة الحياة ) . فلما فصلت الجملة هنا فهم أن الجملة التي قبلها مقصودة التمهيد بهذه الجملة ولو عطفت هذه لما فهم هذا المعنى البديع من النظم