والصفح : العفو . وقد تقدم في قوله تعالى ( فاعف عنهم واصفح ) في سورة العقود . وهو مستعمل هنا في لازمه وهو عدم الحزن والغضب من صنيع أعداء الدين وحذف متعلق الصفح لظهوره أي عمن كذبك وآذاك .
والجميل : الحسن . والمراد الصفح الكامل .
ثم إن في هذه الآية ضربا من رد العجز على الصدر إذ كان قد وقع الاستدلال على المكذبين بالبعث بخلق السماوات والأرض عند قوله ( ولو فتحنا عليهم بابا من السماء فظلوا فيه يعرجون لقالوا إنما سكرت أبصارنا بل نحن قوم مسحورون ولقد جعلنا في السماء بروجا ) الآيات . وختمت بآية ( وإنا لنحن نحيي ونميت ونحن الوارثون ) إلى قوله تعالى ( وإن ربك هو يحشرهم ) .
وانتقل هنالك إلى التذكير بخلق آدم " عليه السلام " وما فيه من العبر . ثم إلى سوق قصص الأمم التي عقبت عصور الخلقة الأولى فآن الأوان للعود إلى حيث افترق طريق النظم حيث ذكر خلق السماوات ودلالته على البعث بقوله تعالى ( وما خلقنا السماوات والأرض وما بينهما إلا بالحق ) الآيات فجاءت على وزان قوله تعالى ( ولقد جعلنا في السماء بروجا ) الآيات . فإن ذلك خلق بديع .
وزيد هنا أن ذلك خلق بالحق .
وكان قوله تعالى ( وإن الساعة لآتية ) فذلكة لقوله تعالى ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) إلى ( وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم ) فعاد سياق الكلام إلى حيث فارق مهيعه . ولذلك تخلص إلى ذكر القرآن بقوله ( ولقد آتيناك سبعا من المثاني ) الناظر إلى قوله تعالى ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون ) .
وجملة ( إن ربك هو الخلاق العليم في موقع التعليل للأمر بالصفح عنهم أي لأن في الصفح عنهم مصلحة لك ولهم يعلمها ربك فمصلحة النبي A في الصفح هي كمال أخلاقه ومصلحتهم في الصفح رجاء إيمانهم فالله الخلاق لكم ولهم ولنفسهم وأنفسهم العليم بما يأتيه كل منكم وهذا كقوله تعالى ( فلا تذهب نفسك عليهم حسرات أن الله عليم بما يصنعون ) .
ومناسبته لقوله تعالى ( وإن الساعة لآتية ) ظاهرة .
وفي وصفه ب ( الخلاق العليم ) إيماء إلى بشارة النبي A بأن الله يخلق من أولئك من يعلم أنهم يكونون أولياء للنبي A وهم الذين آمنوا بعد نزول هذه الآية والذين ولدوا كقول النبي A : ( لعل الله أن يخرج من أصلابهم من يعبده ) .
وقال أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وكان في أيام الجاهلية من المؤذين للنبي A : .
دعاني داع غير نفسي وردني ... إلى الله من أطردته كل مطرد يعني بالداعي النبي A .
وتلك هي نكتة ذكر وصف ( الخلاق ) دون غيره من الأسماء الحسنى .
A E والعدول إلى ( إن الله ) للإشارة إلى أن الذي هو ربه ومدبر أمره لا يأمره إلا بما فيه صلاحه ولا يقدر إلا ما فيه خيره .
( ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم [ 87 ] ) اعتراض بين جملة ( فاصفح الصفح الجميل ) وجملة ( لا تمدن عينيك ) لآية .
أتبع التسلية والوعد بالمنة ليذكر الله نبيه A بالنعمة العظيمة فيطمئن بأنه كما أحسن إليه بالنعم الحاصلة فهو منجزه الوعود الصادقة .
وفي هذا الامتنان تعريض بالرد على المكذبين . وهو ناظر إلى قوله ( وقالوا يا أيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون ) إلى قوله تعالى ( وإنا له لحافظون ) .
فالجملة عطف على الجمل السابقة عطف الغرض على الغرض والقصة على القصة . وهذا افتتاح غرض من التنويه بالقرآن والتحقير لعيش المشركين .
وإيتاء القرآن : أي إعطاؤه وهو تنزيله عليه والوحي به إليه .
وأوثر فعل ( آتيناك ) دون ( أوحينا ) أو ( أنزلنا ) لأن الإعطاء أظهر في الإكرام والمنة .
وجعل ( القرآن ) معطوفا على ( سبعا من المثاني ) يشعر بأن السبع المثاني من القرآن . وذلك ما درج عليه جمهور المفسرين ودل عليه الحديث الآتي