وجملة ( إن في ذلك لآيات للمتوسمين ) : تذييل . والآيات : الأدلة أي دلائل على حقائق من الهداية وضدها وعلى تعرض المكذبين رسلهم لعقاب شديد .
والإشارة ( في ذلك ) إلى جميع ما تضمنته القصة المبدوءة بقوله تعالى ( ونبيهم عن ضيف إبراهيم ) . ففيها من الآيات آية نزول الملائكة في بيت إبراهيم " عليه السلام " كرامة له وبشارته بغلام عليم وإعلام الله إياه بما سيحل بقوم لوط كرامة لإبراهيم " عليهما السلام " ونصر الله لوطا بالملائكة وإنجاء لوط " عليه السلام " وآله وإهلاك قومه وامرأته لمناصرتها إياهم وآية عماية أهل الضلالة عن دلائل الإنابة وآية غضب الله على المسترسلين في عصيان الرسل .
وتقدم الكلام على لفظ آية عند قوله تعالى ( والذين كفروا وكذبوا بآياتنا ) في سورة البقرة . وقوله ( وقالوا لولا نزل عليه آية من ربه ) في سورة الأنعام .
والمتوسمون أصحاب التوسم وهو التأمل في السمة أي العلامة الدالة على المعلم والمراد للمتأملين في الأسباب وعواقبها وأولئك هم المؤمنون . وهو تعريض بالذين لم تردعهم العبر بأنهم دون مرتبة النظر تعريضا بالمشركين الذين لم يتعظوا ؛ بان يحل بهم ما حل بالأمم من قبلهم التي عرفوا أخبارها ورأوا آثارها .
ولذلك أعقب الجملة بجملة ( وإنها لبسبيل ) مقيم أي المدينة المذكورة آنفا هي بطريق باق يشاهد كثير منكم آثارها في بلاد فلسطين في طريق تجارتكم إلى الشام وما حولها وهذا كقوله ( وإنكم لتمرون عليهم مصبحين وبالليل أفلا تعقلون ) .
والمقيم : أصله الشخص المستقر في مكانه غير مرتحل . وهو هنا مستعار لآثار المدينة الباقية في المكان بتشبيهه بالشخص المقيم .
وجملة ( إن في ذلك لآية للمؤمنين ) تذييل . والإشارة إلى ما تقدم من قوله من القصة مع ما انضم إليها من التذكير بان قراهم واضحة فيها آثار الخسف والأمطار بالحجارة المحماة .
وعبر في التذييل بالمؤمنين للتنبيه على أن المتوسمين هم المؤمنون .
وجعل ذلك ( آية ) بالإفراد تفننا لأن ( آية ) اسم جنس يصدق بالمتعدد على أن مجموع ما حصل لهم آية على المقصود من القصة وهو عاقبة المكذبين . وفي مطاوي تلك الآيات آيات . والذي في درة التنزيل أي الفرق بين جمع الآيات في الأول وإفراده ثانيا في هذه الآية بأن ما قص من حديث لوط وضيف إبراهيم وما كان من عاقبة أمرهم كل جزء من ذلك في نفسه آية .
فالمشار إليه بذلك هو عدة آيات . وأما كون قرية لوط بسبيل مقيم فهو في جملته آية واحدة . فتأمل .
A E ( وإن كان أصحاب الأيكة لظالمين [ 79 ] فانتقمنا منهم ) عطف قصة على قصة لما في كلتيهما من الموعظة . وذكر هاتين القصتين المعطوفتين تكميل وإدماج إذ لا علاقة بينهما وبين ما قبلهما من قصة إبراهيم والملائكة . وخص بالذكر أصحاب الأيكة وأصحاب الحجر لأنهم مثل قوم لوط في موعظة المشركين من الملائكة لأن أهل مكة يشاهدون ديار هذه الأمم الثلاث .
و ( إن ) مخففة ( إن ) وقد أهمل عملها بالتخفيف فدخلت على جملة فعلية . واللام الداخلة على ( لظالمين ) اللام الفارقة بين ( إن ) التي أصلها مشددة وبين ( إن ) النافية .
والأيكة : الغيضة من الأشجار الملتف بعضها ببعض . واسم الجمع ( أيك ) وأطلقت هنا مرادا بها الجنس إذ قد كانت منازلهم في غيضة من الأشجار الكثيرة والورق . وقد تخفف الأيكة فيقال ليكة .
وأصحاب الأيكة : هم قوم شعيب " عليه السلام " وهم مدين . وقيل أصحاب الأيكة فريق من قوم شعيب غير أهل مدين . فأهل مدين سكان الحاضرة وأصحاب الأيكة هم باديتهم وكان شعيب رسولا إليهم جميعا . قال تعالى ( كذب أصحاب ليكة المرسلين إذ قال لهم شعيب ألا تتقون ) . وسيأتي الكلام على ذلك مستوفي في سورة الشعراء .
والظالمون : المشركون .
والانتقام : العقوبة لأجل ذنب مشتقة من النقم وهو الإنكار على الفعل . يقال : نقم عليه كما في هذه الآية ونقم منه أيضا . وتقدم في قوله ( وما تنقم منا ) في سورة الأعراف . وأجمل الانتقام في هذه الآية وبين في آيات أخرى مثل آية هود .
( وإنهما لبإمام مبين [ 79 ] ) ضمير ( إنهما ) لقرية قوم لوط وأيكة قوم شعيب " عليهما السلام " .
والإمام : الطريق الواضح لأنه يأتم به السائر أي يعرف أنه يوصل إذ لا يخفى عنه شيء منه . والبين أي أن كلتا القريتين بطريق القوافل بأهل مكة