والفضح والفضيحة : شهرة حال شنيعة . وكانوا يتعيرون بإهانة الضيف ويعد ذلك مذلة لمضيفه . وقد ذكرهم بالوازع الديني وإن كانوا كفارا استقصاء للدعوة التي جاء بها وبالوازع العرفي فقال ( واتقوا الله ولا تخزون ) كما في قول عبد بني الحسحاس : .
" كفى الشيب والإسلام للمرء ناهيا والخزي : الذل والإهانة . وتقدم في قوله تعالى ( إلا خزي في الحياة الدنيا ) في أوائل سورة البقرة . وتقدم في مثل هذه القصة في سورة هود .
( قالوا أو لم ننهك عن العالمين [ 70 ] قال هؤلاء بناتي إن كنتم فاعلين [ 71 ] لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون [ 72 ] فأخذتهم الصيحة مشرقين [ 73 ] فجعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليهم حجارة من سجيل [ 74 ] إن في ذلك لآيات للمتوسمين [ 75 ] وإنها لبسبيل مقيم [ 76 ] إن في ذلك لآية للمؤمنين [ 77 ] ) الواو في ( أو لم ننهك ) عطف على كلام لوط " عليه السلام " جار على طريقة العطف على كلام الغير كقوله تعالى ( قال ومن ذريتي ) بعد قوله تعالى ( قال إني جاعلك للناس إماما ) في سورة البقرة .
والاستفهام إنكاري والمعطوف هو الإنكار .
و ( العالمين ) الناس . وتعدية النهي إلى ذات العالمين على تقدير مضاف دل عليه المقام أي ألم ننهك عن حماية الناس أو عن إجازتهم أي أن عليك أن تخلي بيننا وبين عادتنا حتى لا يطمع المارون في حمايتك وقد كانوا يقطعون السبيل يتعرضون للمارين على قراهم . و ( العالمين ) تقدم في الفاتحة . وأرادوا به هنا أصناف القبائل لقصد التعميم .
وعرض عليهم بناته ظنا أن ذلك يردعهم ويطفئ شبقهم . ولذلك قال ( إن كنتم فاعلين ) .
وقد تقدم في سورة هود معنى عرضه بناته وأن قوله ( بناتي ) يجوز أن يراد به بنات صلبه وكن اثنتين أو ثلاثا ويجوز أن يراد به بنات القوم كلهم تنزيلا لهم منزلة بناته لأن النبي كأب لأمته .
وجملة ( لعمرك إنهم لفي سكرتهم يعمهون ) معترضة بين أجزاء القصة للعبرة في عدم جدوى الموعظة فيمن يكون في سكرة هواه .
والمخاطب بها محمد A من قبل الله تعالى . وقيل هو من كلام الملائكة بتقدير قول .
A E وكلمة ( لعمرك ) صيغة قسم . واللام الداخلة على لفظ ( عمر ) لم القسم .
والعمر " بفتح العين وسكون اللام " أصله لغة في العمر بضم العين فخص المفتوح بصيغة القسم لخفته بالفتح لأن القسم كثير الدوران في الكلام . فهو قسم بحياة المخاطب به . وهو في الاستعمال إذا دخلت عليه لم القسم رفعوه على الابتداء محذوف الخبر وجوبا . والتقدير : لعمرك قسمي .
وهو من المواضع التي يحذف فيها الخبر حذفا لازما في استعمال العرب اكتفاء بدلالة اللام على معنى القسم . وقد يستعملونه بغير اللام فحينئذ يقرنونه باسم الجلالة وينصبونهما كقول عمر بن أبي ربيعة : .
" عمرك الله كيف يلتقيان فنصب عمر بنزع الخافض وهو باء القسم ونصب اسم الجلالة على أنه مفعول المصدر أي بتعميرك الله بمعنى بتعظيمك الله أي قولك الله لعمرك تعظيما لله لأن القسم باسم أحد تعظيم له فاستعمل لفظ القسم كناية عن التعظيم كما استعمل لفظ التحية كناية عن التعظيم في كلمات التشهد " التحيات لله " أي أقسم عليك بتعظيمك ربك . هذا ما يظهر لي في توجيه النصب وقد خالفت فيه أقوال أهل اللغة بعض مخالفة لأدفع ما عرض لهم من إشكال .
والسكرة : ذهاب العقل . مشتقة من السكر " بفتح السين " وهو السد والغلق . وأطلقت هنا على الضلال تشبيها لغلبة دواعي الهوى على دواعي الرشاد بذهاب العقل وغشيته .
و ( يعمهون ) يتحيرون ولا يهتدون . وقد تقدم عند قوله تعالى ( ويمدهم في طغيانهم يعمهون ) في سورة البقرة .
وجملة ( فأخذتهم الصيحة مشرقين ) تفريع على جملة ( وقضينا إليه ذلك الأمر ) .
والصيحة : صعقة في الهواء وهي صواعق وزلازل وفيها حجارة من سجيل . وقد مضى بيانها في سورة هود .
وانتصب ( مشرقين ) على الحال من ضمير الغيبة . وهو اسم فاعل من أشرقوا إذا دخلوا في وقت شروق الشمس .
وضميرا ( عاليها سافلها ) للمدينة . وضمير ( عليهم ) عائد إلى ما عادت عليه ضمائر الجمع قبله