حكاية هذا الحوار بين إبراهيم والملائكة " عليهم السلام " لأنه يجمع بين بيان فضل إبراهيم " عليه السلام " وبين موعظة قريش بما حل ببعض الأمم المكذبين انتقل إبراهيم " عليه السلام " إلى سؤالهم عن سبب نزولهم إلى الأرض لأنه يعلم أن الملائكة لا ينزلون إلا لأمر عظيم كما قال تعالى ( ما تنزل الملائكة إلا بالحق ) . وقد نزل الملائكة يوم بدر لاستئصال سادة المشركين ورؤسائهم .
والطب تقدم في قوله تعالى ( قال ما خطبكن ) في سورة يوسف .
والقوم المجرمون هم قوم سدوم وقراها . وتقدم ذكرهم في سورة هود .
والاستثناء في ( إلا آل لوط ) منقطع لأنهم غير مجرمين . واستثناء ( إلا امرأته ) متصل لأنها من آل لوط .
وجملة ( إنا لمنجوهم أجمعين ) استئناف بياني لبيان الإجمال الذي في استثناء آل لوط من متعلق فعل ( أرسلنا ) لدفع احتمال أنهم لم يرسلوا إليهم ولا أمروا بإنجائهم .
وفي قوله ( أرسلنا إلى قوم مجرمين ) إيجاز حذف وتقدير الكلام : إنا أرسلنا إلى لوط لأجل قوم مجرمين أي لعذابهم . ودل ذلك على الاستثناء في ( إلا آل لوط ) .
وقرأ الجمهور ( لمنجوهم ) " بفتح النون وتشديد الجيم " مضارع نجى المضاعف . وقرأ حمزة والكسائي وخلف " بكسر النون وتخفيف الجيم " مضارع أنجى المهموز .
وإسناد التقدير إلى ضمير الملائكة لأنهم مزمعون على سببه . وهو ما وكلوا به من تحذير لوط " عليه السلام " وآله من الالتفات إلى العذاب وتركهم تحذير امرأته حتى التفتت فحل بها ما حل بقوم لوط .
وقرأ الجمهور ( قدرنا ) " بتشديد الدال " من التقدير . وقرأه أبو بكر عن عاصم " بتخفيف الدال " من قدر المجرد وهما لغتان .
وجملة ( إنها لمن الغابرين ) مستأنفة . و ( إن ) متعلقة لفعل ( قدرنا ) عن العمل في مفعوله . وأصل الكلام غبورها أي ذهابها وهلاكها .
والتعليق يطرأ على الأفعال كلها وإنما يكثر في أفعال القلوب ويقل في غيرها . وليس من خصائصها على التحقق .
وتقدم ذكر الغابرين في سورة الأعراف .
A E ( فلما جاء آل لوط المرسلون [ 61 ] قال إنكم قوم منكرون [ 62 ] قالوا جئناك بما كانوا فيه يمترون [ 63 ] وأتيناك بالحق وإنا لصادقون [ 64 ] فاسر بأهلك بقطع من الليل واتبع أدبارهم ولا يلتفت منكم أحد وامضوا حيث تؤمرون [ 65 ] ) .
تفريع على حكاية قصتهم مع إبراهيم وقد طوى ما هو معلوم من خروج الملائكة من عند إبراهيم . والتقدير : ففارقوه وذهبوا إلى لوط فلما جاءوا لوطا .
وعبر بآل لوط " عليه السلام " لأنهم نزلوا في منزلة بين أهله فجاءوا آله وإن كان المقصود بالخطاب والمجيء هو لوط .
وتولى لوط " عليه السلام " تلقيهم كما هو شأن كبير المنزل ولكنه وجدهم في شكل غير معروف في القبائل التي كانت تمر بهم فألهم إلى أن لهم قصة غريبة ولذلك قال لهم ( إنكم قوم منكرون ) أي لا تعرف قبيلتكم . وتقدم قوله تعالى ( نكرهم ) في سورة هود .
وقد أجابوه بما يزيل ذلك إذ ( قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون ) إضرابا عن قوله ( إنكم قوم منكرون ) وإبطالا لما ظنه من كونهم من البشر الذين لم يعرف قبيلتهم فلا يأمنهم أن يعاملوه بما يضره .
وعبر عن العذاب ب ( ما كانوا فيه يمترون ) إيماء إلى وجه بناء الخبر وهو التعذبي أي بالأمر الذي كان قومك يشكون في حلوله بهم وهو العذاب فعلم أنهم ملائكة .
والمراد بالحق الخبر الحق ولذلك ذيل بجملة ( وإنا لصادقون ) .
وقوله ( قالوا بل جئناك بما كانوا فيه يمترون وأتيناك بالحق وإنا لصادقون ) حكاية لخطاب الملائكة لوطا " عليه السلام " لمعنى عباراتهم محولة إلى نظم عربي يفيد معنى كلامهم في نظم عربي بليغ فبنا أن نبين خصائص هذا النظم العربي : فإعادة فعل ( أتيناك ) بعد واو العطف مع أن فعل ( أتيناك ) مرادف لفعل ( جئناك ) دون أن يقول : وبالحق يحتمل أن يكون للتأكيد اللفظي بالمرادف . والتعبير في أحد الفعلين بمادة المجيء وفي الفعل الآخر بمادة الإتيان لمجرد التفنن لدفع تكرار الفعل الواحد كقوله تعالى في سورة الفرقان ( ولا يأتونك بمثل إلا جئناك بالحق وأحسن تفسيرا ) . وعليه تكون الباء في قوله ( بما كانوا فيه يمترون ) وقوله ( بالحق ) للملابسة