والوجل : الخائف . والوجل " بفتح الجيم " الخوف . ووقع في سورة هود ( نكرهم وأوجس منهم خيفة ) .
وقد جمع في هذه الآية متفرق كلام الملائكة فاقتصر على مجاوبتهم إياه عن قوله ( إنا منكم وجلون ) فنهاية الجواب هو ( لا توجل ) .
وأما جملة ( إنا نبشرك بغلام عليم ) فهي استئناف كلام آخر بعد أن قدم إليهم القرى وحضرت امرأته فبشروه بحضرتها كما فصل في سورة هود .
والغلام العليم : إسحاق " عليه السلام " أي عليم بالشريعة بأن يكون نبيا .
وقد حكي هنا قولهم لإبراهيم " عليه السلام " وحكي في سورة هود قولهم لامرأته لأن البشارة كانت لهما معا فقد تكون حاصلة في وقت واحد فهي بشارتان باعتبار المبشر وقد تكون حصلت في وقتين متقاربين بشروه بانفراد ثم جاءت امرأته فبشروها .
وقرأ الجمهور ( نبشرك ) " بضم النون وفتح الموحدة وتشديد الشين المكسورة مضارع بشر بالتشديد " . وقرأ حمزة ( نبشرك ) " بفتح النون وسكون الموحدة وضم الشين " وهي لغة . يقال : بشره يبشره من باب نصر .
والاستفهام في ( أبشرتموني ) للتعجب .
و ( على ) بمعنى ( مع ) دالة على شدة اقتران البشارة بمس الكبر إياه .
والمس : الإصابة . والمعنى تعجب من بشارته بولد مع أن الكبر مسه .
وأكد هذا التعجب بالاستفهام الثاني بقوله ( فبم تبشرون ) استفهام تعجب . نزل الأمر العجيب المعلوم منزلة الأمر غير المعلوم لأنه يكاد يكون غير معلوم .
وقد علم إبراهيم " عليه السلام " من البشارة أنهم ملائكة صادقون فتعين أن الاستفهام للتعجب .
وحذف مفعول ( بشرتموني ) لدلالة الكلام عليه .
قرأ نافع ( تبشرون ) " بكسر النون مخففة دون إشباع " على حذف نون الرفع وحذف ياء المتكلم وكل ذلك تخفيف فصيح . وقرأ أبن كثير " بكسر النون مشددة " على حذف ياء المتكلم خاصة . وقرأ الباقون " بفتح النون " على حذف المفعول لظهوره من المقام أي تبشروني .
وجواب الملائكة إياه بأنهم بشروه بالخبر الحق أي الثابت لا شك فيه إبطالا لما اقتضاه استفهامه بقوله ( فبم تبشرون ) من أن ما بشروه به أمر يكاد أن يكون منتفيا وباطلا . فكلامهم رد لكلامه وليس جواب على استفهامه لأنه استفهام غير حقيقي .
A E ثم نهوه عن استبعاد ذلك بأنه استبعاد رحمة القدير بعد أن علم أن المبشرين بها مرسلون إليه من الله فاستبعاد ذلك يفضي إلى القنوط من رحمة الله فقالوا ( فلا تكن من القانطين ) . ذلك أنه لما استبعد ذلك استبعاد المتعجب من حصوله كان ذلك أثرا من آثار رسوخ الأمور المعتادة في نفسه بحيث لم يقلعه منها الخبر الذي يعلم صدقه فبقى في نفسه بقية من التردد في حصول ذلك فقاربت حالة تلك حال الذين ييأسو من أمر الله . ولما كان إبراهيم " عليه السلام " منزها من القنوط من رحمة الله جاءوا في موعظته بطريقة الأدب المناسب فنهوه عن أن يكون من زمرة القانطين تحذيرا له مما يدخله في تلك الزمرة ولم يفرضوا أن يكون هو قانطا لرفعة مقام نبوته عن ذلك . وهو في هذا المقام كحالة في مقام ما حكاه الله عنه من قوله ( أرني كيف تحي الموتى قال أو لم تؤمن قال بلى ولكن ليطمئن قلبي ) .
وهذا النهي كقوله الله تعالى لنوح " عليه السلام " ( إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) .
وقد ذكرته الموعظة مقام نسيه فقال ( ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون ) . وهو استفهام إنكار في معنى النفي ولذلك استثنى منه ( إلا الظالون ) . يعني أنه لم يذهب اجتناب القنوط من رحمة الله ولكنه امتلكه المعتاد فتعجب فصار ذلك كالذهول عن المعلوم فلما نبهه الملائكة أدنى تنبيه تذكير . القنوط : اليأس .
وقرأ الجمهور ( ومن يقنط ) " بفتح النون " . وقرأه أبو عمرو والكسائي ويعقوب وخلف " بكسر النون " وهما لغتان في فعل قنط .
قال أبو علي الفارسي : قنط يقنط " بفتح النون في الماضي وكسرها في المستقبل من أعلى اللغات . قال تعالى ( وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا ) .
قلت : ومن فصاحة القرآن اختياره كل لغة في موضع كونها فيه أفصح فما جاء فيه إلا الفتح في الماضي وجاء المضارع بالفتح والكسر على القراءتين .
( قال فما خطبكم أيها المرسلون [ 57 ] قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين [ 58 ] إلا آل لوط إنا لمنجوهم أجمعين [ 59 ] إلا امرأته قدرنا إنها لمن الغابرين [ 60 ] )