وجملة ( ونزعنا ما في صدورهم من غل ) عطف على الخبر وهو ( في جنات وعيون ) . والتقدير : إن المتقين نزعنا ما في صدورهم من غل .
والغل " بكسر الغين " البغض . وتقدم في قوله تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل تجري من تحتهم الأنهار ) في سورة الأعراف أي ما كان بين بعضهم من غل في الدنيا .
و ( إخوانا ) حال وهو على معنى التشبيه أي كالإخوان أي كحال الإخوان في الدنيا .
وأول من يدخل في هذا العموم أصحاب النبي A فيما شجر بينهم من الحوادث الدافع إليها اختلاف الاجتهاد في إقامة مصالح المسلمين والشدة في إقامة الحق على حسب اجتهادهم . كما روي عن علي " كرم الله وجهه " أنه قال : إني لأرجو من أن أكون أنا وطلحة ممن قال الله تعالى ( ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا ) . فقال جاهل من شيعة علي اسمه الحارث بن الأعور الهمذاني : كلا الله أعدل من أن يجمعك وطلحة في مكان واحد . فقال علي " فلمن هذه الآية لا أم لك بفيك التراب " .
والسرر : جمع سرير . وهو محمل كالكرسي متسع يمكن الاضطجاع عليه . والاتكاء : مجلس أصحاب الدعة والرفاهية لتمكن الجالس عليه من التقلب كيف شاء حتى إذا مل جلسة انقلب لغيرها .
والتقابل : كون الواحد قبالة غيره وهو أدخل في التأنس بالرؤية والمحادثة .
والمس : كناية عن الإصابة .
والنصب : التعب الناشئ عن استعمال الجهد .
( نبي عبادي أني أنا الغفور الرحيم [ 49 ] وأن عذابي هو العذاب الأليم [ 50 ] ) هذا تصدير لذكر القصص التي أريد من التذكير بها الموعظة بما حل بأهلها وهي قصة قوم لوط وقصة أصحاب الأيكة وقصة ثمود .
وابتدئ ذلك بقصة إبراهيم " عليه السلام " لما فيها من كرامة الله له تعريضا بالمشركين إذ لم يقتفوا آثاره في التوحيد .
فالجملة مستأنفة استئنافا ابتدائيا وهو مرتبط بقوله في أوائل السورة ( وما أهلكنا من قرية إلا ولها كتاب معلوم ) .
وابتداء الكلام بفعل الإنباء لتشويق السامعين إلى ما بعده كقوله تعالى ( هل أتاك حديث الجنود ) ونحوه . والمقصود هو قوله تعالى الآتي ( ونبيهم عن ضيف إبراهيم ) . وإنما قدم الأمر بإعلام الناس بمغفرة الله وعذابه ابتداء بالموعظة الأصلية قبل الموعظة بجزئيات حوادث الانتقام من المعاندين وإنجاء من بينهم من المؤمنين لأن ذلك دائر بين أثر الغفران وبين أثر العذاب .
وقدمت المغفرة على العذاب لسبق رحمته غضبه .
وضمير ( أنا ) وضمير ( هو ) ضميرا فصل يفيدان تأكيد الخبر .
A E واعلم أن في قوله تعالى ( نبي عبادي ) إلى ( الرحيم ) من المحسنات البديعة محسن الاتزان إذا سكنت ياء ( أني ) على قراءة الجمهور بتسكينها فإن الآية تأتي متزنة على ميزان بحر المجتث الذي لحقه الخبن في عروضه وضربه فهو متفعلن فعلاتن مرتين .
( ونبيهم عن ضيف إبراهيم [ 51 ] إذ دخلوا عليه فقالوا سلما قال إنا منكم وجلون [ 52 ] قالوا لا توجل إنا نبشرك بغلام عليم [ 53 ] قال أبشرتموني على أن مسني الكبر فبم تبشرون [ 54 ] قالوا بشرناك بالحق فلا تكن من القانطين [ 55 ] قال ومن يقنط من رحمة ربه إلا الضالون [ 56 ] ) هذا العطف مع اتحاد الفعل المعطوف بالفعل المعطوف عليه الصيغة دليل على أن المقصود الإنباء بكلا الأمرين لمناسبة ذكر القصة أنها من مظاهر رحمته تعالى وعذابه و ( ضيف إبراهيم ) : الملائكة الذين تشكلوا بشكل أناس غرباء مارين ببيته . وتقدمت القصة في سورة هود .
وجملة ( قال إنا منكم وجدون ) جاءت مفصولة بدون عطف لأنها جواب عن جملة ( قالوا سلاما ) . وقد طوي ذكر رده السلام عليهم إيجازا لظهوره . وصرح به في قوله ( قال سلام قوم منكرون ) أي قال إنا منكم وجلون بعد أن رد السلام . وفي سورة هود أنه أوجس منهم خيفة حين رآهم لم يمدوا أيديهم للأكل .
وضمير ( إنا ) من كلام إبراهيم " عليه السلام " فهو يعني به نفسه وأهله لأن الضيف طرقوا بيتهم في غير وقت طروق الضيف فظنهم يريدون به شرا ؛ فلما سلموا عليه فاتحهم بطلب الأمن فقال ( إنا منكم وجلون ) أي أخفتمونا . وفي سورة الذاريات أنه قال لهم ( قوم منكرون )