وإطلاق ( الغاوين ) من باب إطلاق اسم الفاعل على الحصول في المستقبل بالقرينة لأنه لو كان غاويا بالفعل لم يكن لسلطان الشيطان عليه فائدة . وقد دل على هذا المعنى تعلق نفي السلطان بجميع العباد ثم استثناء من كان غاويا . فلما كان سلطان الشيطان لا يتسلط إلا على من كان غاويا علمنا أن ثمة وصفا بالغواية هو مهيئ تسلط سلطان الشيطان على موصوفه . وذلك هو الموصوف بالغواية بالقوة لا بالفعل أي بالاستعداد للغواية لا بوقوعها .
فالإضافة في قوله تعالى ( عبادي ) للعموم كما هو شأن الجمع المعرف بالإضافة والاستثناء حقيقي ولا حيرة في ذلك .
وضمير ( موعدهم ) عائد إلى ( من اتبعك ) والموعد مكان الوعد . وأطلق هنا على المصير إلى الله استعير الموعد لمكان اللقاء تشبيها له بالمكان المعين بين الناس للقاء معين وهو الوعد .
ووجه الشبه تحقق المجيء بجامع الحرص عليه شأن المواعيد لأن إخلاف الوعد محذور وفي ذلك تمليح بهم لأنهم ينكرون البعث والجزاء فجعلوا بمنزلة من عين ذلك المكان للإتيان .
وجملة ( لها سبعة أبواب ) مستأنفة لوصف حال جهنم وأبوابها لإعداد الناس بحيث لا تضيق عن دخولهم .
والظاهر أن السبعة مستعملة في الكثرة فيكون كقوله ( والملائكة يدخلون عليهم من كل باب ) ؛ أو أريد بالأبواب الكناية عن طبقات جهنم لأن الأبواب تقتضي منازل فهي مراتب مناسبة لمراتب الإجرام بان تكون أصول الجرائم سبعة تتفرع عنها جميع المعاصي الكبائر . وعسى أن نتمكن من تشجيرها في وقت آخر .
وقد يكون من جملة طبقاتها طبقة النفاق قال تعالى ( إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ) . وانظر ما قدمناه من تفريع ما ينشأ عن النفاق من المذام في قوله تعالى ( ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر ) في سورة البقرة .
وجملة ( لكل باب منهم جزء مقسوم ) صفة ل ( أبواب ) وتقسيمها بالتعيين يعلمه الله تعالى . وضمير ( منهم ) عائد ل ( من اتبعك من الغاوين ) أي لكل باب فريق يدخل منه أو لكل طبقة من النار قسم من أهل النار مقسوم على طبقات أقسام النار .
واعلم أن هذه الأقوال التي صدرت من الشيطان لدى الحضرة القدسية هي انكشاف لجبلة التطور الذي تكيفت به نفس إبليس من حين أبى من السجود وكيف تولد كل فصل من ذلك التطور عما قبله حتى تقومت الماهية الشيطانية بمقوماتها كاملة عندما صدر منه قوله ( لأزينن لهم في الأرض ولأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين ) فكلما حدث في جبلته فصل من تلك الماهية صدر منه قول يدل عليه ؛ فهو شبيه بنطق الجوارج بالشهادة على أهل الضلالة يوم الحساب .
A E وأما الأقوال الإلهية التي أجيبت بها أقوال الشيطان فمظهر للأوامر التكوينية التي قدرها الله تعالى في علمه لتطور أطوار إبليس المقومة لماهية الشيطنة وللألطاف التي قدرها الله لمن يعتصم بها من عباده لمقاومة سلطان الشيطان . وليست تلك الأقوال كلها بمناظرة بين الله وأحد مخلوقاته ولا بغلبة من الشيطان لخالقه فإن ضعفه تجاه عزة خالقه لا يبلغ به إلى ذلك .
( إن المتقين في جنات وعيون [ 45 ] ادخلوها بسلام آمنين [ 46 ] ونزعنا ما في صدورهم من غل إخوانا على سرر متقابلين [ 47 ] لا يمسهم فيها نصب وما هم منها بمخرجين [ 48 ] ) استئناف ابتدائي انتقال من وعيد المجرمين إلى بشارة المتقين على عادة القرآن في التفنن .
والمتقون : الموصوفون بالتقوى . وتقدمت عند صدر سورة البقرة .
و الجنات : جمع جنة . وقد تقدمت عند قوله تعالى ( أن لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ) في أول سورة البقرة .
و العيون : جمع عين اسم لثقب أرضي يخرج منه الماء من الأرض . فقد يكون انفجارها بدون عمل الإنسان . وأسبابه كثيرة تقدمت عند قوله تعالى ( وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار ) في سورة البقرة . وقد يكون بفعل فاعل وهو التفجير .
وجملة ( ادخلوها ) معمولة لقول محذوف يقدر حالا من ( المتقين ) والقرينة ظاهرة . والتقدير : يقال لهم ادخلوها . والقائل هو الملائكة عند إدخال المتقين الجنة .
والباء من ( بسلام ) للمصاحبة .
والسلام : التحية . وتقدم في قوله ( وإذا جاءك الذين يؤمنون بآياتنا فقل سلام عليكم ) في سورة الأنعام .
والأمن النجاة من الخوف