والمراد بالإحياء تكوين الموجودات التي فيها الحياة وإحياؤها أيضا بعد فناء الأجسام . وقد أدمج في الاستدلال على تفرد الله تعالى بالتصرف إثبات البعث ودفع استبعاد وقوعه واستحالته .
ولما كان المشركون منكرين من الإحياء كان توكيد الخبر مستعملا في معنييه الحقيقي والتنزيلي .
وجملة ( ونحن الوارثون ) عطف على جملة ( وإنا نحيي ونميت ) .
ومعنى الإرث هنا البقاء بعد الموجودات تشبيها بالإرث وهو أخذ مل يتركه الميت من أرض وغيرها .
( ولقد علمنا المستقدمين منكم ولقد علمنا المستأخرين [ 24 ] ) وإن ربك هو يحشرهم إنه حكيم عليم [ 25 ] ) لما ذكر الإحياء والإماتة وكان الإحياء " بكسر الهمزة " يذكر بالأحياء " بفتحها " وكانت الإماتة تذكر بالأموات الماضين تخلص من الاستدلال بالإحياء والإماتة على عظم القدرة إلى الاستدلال بلازم ذلك على عظم علم الله وهو علمه بالأمم البائدة وعلم الأمم الحاضرة ؟ فأريد بالمستقدمين الذين تقدموا الأحياء إلى الموت أو إلى الآخرة فالتقدم فيه بمعنى المضي وبالمستأخرين الذين تأخروا وهم بعد انقراض غيرهم إلى أجل يأتي .
والسين والتاء في الوصفين للتأكيد مثل استجاب ولكن قولهم استقدم بمعنى تقدم على خلاف القياس لأن فعله رباعي . وقد تقدم عند قوله تعالى لا ( يستأخرون ساعة ولا يستقدمون ) في سورة الأعراف .
وقد تقدم في طالع تفسير هذه السورة الخبر الذي أخرجه الترمذي في جامعه من طريق نوح بن قيس ومن طريق جعفر بن سليمان في سبب نزول هذه الآية . وهو خبر واه لا يلاقي انتظام الآيات ولا يكون إلا من التفاسير الضعيفة .
وجملة ( وإن ربك هو يحشرهم ) نتيجة هذه الأدلة من قوله ( وإنا لنحن نحيي ونميت ) فإن الذي يحيي الحياة الأولى قادر على الحياة الثانية بالأولى والذي قدر الموت ما قدره عبثا بعد أن أوجد الموجودات إلا لتستقبلوا حياة أبدية ولولا ذلك لقدر الدوام على الحياة الأولى قال تعالى ( الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا ) .
وللإشارة إلى هذا المعنى من حكمة الإحياء والإماتة أتبعه بقوله ( إنه حكيم عليم ) تعليلا لجملة ( وإن ربك هو يحشرهم ) لأن شأن ( إن ) إذا جاءت في غير معنى الرد على المنكر أن تفيد معنى التعليل والربط بما قبلها .
والحكيم : الموصوف بالحكمة . وتقدم عند قوله تعالى ( يؤتي الحكمة من يشاء ) وعند قوله تعالى ( فاعلموا أن الله عزيز حكيم ) في سورة البقرة .
و ( العليم ) الموصوف بالعلم العام أي المحيط وتقدم عند قوله تعالى ( وليعلم الله الذين آمنوا ) في سورة آل عمران .
A E وقد أكدت جملة ( وإن ربك هو يحشرهم ) بحرف التوكيد وبضمير الفصل لرد إنكارهم الشديد للحشر . وقد أسند الحشر إلى الله بعنوان كونه رب محمد A تنويها بشأن النبي A لأنهم كذبوه في الخبر عن البعث ( وقال الذين كفروا هل ندلكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كل ممزق إنكم لفي خلق جديد افترى على الله كذبا أم به جنة ) أي فكيف ظنك بجزائه مكذبيك إذا حشرهم .
( ولقد خلقنا الإنسان من صلصال من حمإ مسنون [ 26 ] والجان خلقناه من قبل من نار السموم [ 27 ] ) تكملة لإقامة الدليل على انفراده تعالى بخلق أجناس العوالم وما فيها . ومنه يتخلص إلى التذكير بعداوة الشيطان للبشر ليأخذوا حذرهم منه ويحاسبوا أنفسهم على ما يخامرها من وسواسه بما يرديهم . جاء بمناسبة ذكر الإحياء والإماتة فإن أهم الإحياء هو إيجاد النوع الإنساني . ففي هذا الخبر استدلال على عظيم القدرة والحكمة وعلى إمكان البعث وموعظة وذكرى . والمراد بالإنسان آدم " عليه السلام " .
والصلصال : الطين الذي يترك حتى ييبس فإذا يبس فهو صلصال وهو شبه الفخار ؛ إلا أن الفخار هو ما يبس بالطبخ بالنار . قال تعالى ( خلق الإنسان من صلصال كالفخار ) .
والحمأ : الطين إذا اسود وكرهت رائحته . وقوله ( من حمأ ) صفة ل ( صلصال ) . و ( مسنون ) صفة ل ( حمأ ) أو ل ( صلصال ) . وإذ كان الصلصال من الحمأ فصفة أحدهما صفة للآخر .
والمسنون : الذي طالت مدة مكثه وهو اسم مفعول من فعل سنة إذا تركه مدة طويلة تشبه السنة . وأحسب أن فعل ( سن ) بمعنى ترك شيئا مدة طويلة غير مسموع