وأتوا بصيغة الحصر للدلالة على أنهم قد بتوا القول في ذلك . ورد بعضهم على بعض ظن أن يكونوا رأوا أبواب السماء وعرجوا فيها وزعموا أنهم ما كانوا يبصرون ثم أضربوا عن ذلك إضراب المتردد المتحير ينتقل من فرض إلى فرض فقالوا ( بل نحن قوم مسحورون ) أي ما رأيناه هو تخيلات المسحور أي فعادوا إلى إلقاء تبعة ذلك على الرسول A بأنه سحرهم حين سأل لهم الله أن يفتح بابا من السماء ففتحه لهم .
وقد تقدم الكلام على السحر وأحواله عند قوله تعالى ( يعلمون الناس السحر ) في سورة البقرة .
وإقحام كلمة " قوم " هنا دون أن يقولوا : بل نحن مسحورون لأن ذكرها يقتضي أن السحر قد تمكن منهم واستوى فيه جميعهم حتى صار من خصائص قوميتهم كما تقدم تبيينه عند قوله تعالى ( لآيات لقوم يعقلون ) في سورة البقرة . وتكرر ذلك .
( ولقد جعلنا في السماء بروجا وزيناها للناظرين [ 16 ] وحفظناها من كل شيطان رجيم [ 17 ] إلا من استرق السمع فأتبعه شهاب مبين [ 18 ] ) لما جرى الكلام السابق في شأن تكذيب المشركين برسالة محمد A وما تركوا به في ذلك وكان الأصل الأصيل الذي بنوا عليه صرح التكذيب أصلين هما إبطاله إلهية أصنامهم وإثباته البعث انبرى القرآن يبين لهم دلائل تفرد الله تعالى بالإلهية فذكر الدلائل الواضحة من خلق السماوات والأرض ثم أعقبها بدلائل إمكان البعث من خلق الحياة والموت وانقراض أمم وخلفها بأخرى في قوله تعالى ( وإنا لنحن نحيى ونميت ونحن الوارثون ) الآية . وصادف ذلك مناسبة ذكر فتح أبواب السماء في تصوير علوائهم بعنادهم فكان الانتقال إليه تخلصا بديعا .
وفيه ضرب من الاستدلال على مكابرتهم فإنهم لو أرادوا الحق لكان لهم في دلالة ما هو منهم غنية عن تطلب خوارق العادات .
والخبر مستعمل في التذكير والاستدلال لأن مدلول هذه الأخبار معلوم لديهم .
وافتتح الكلام بلام القسم وحرف التحقيق تنزيلا للمخاطبين الذاهلين عن الاستدلال بذلك منزلة المتردد فأكد لهم الكلام بمؤكدين . ومرجع التأكيد إلى تحقيق الاستدلال وإلى الإلجاء إلى الإقرار بذلك .
A E والبروج : جمع برج " بضم الباء " . وحقيقته البناء الكبير المتخذ للسكنى أو للتحصن . وهو يرادف القصر قال تعالى ( ولو كنتم في بروج مشيدة ) في سورة النساء .
وأطلق البرج على بقعة معينة من سمت طائفة من النجوم غير السيارة " وتسمى النجوم الثوابت " متجمع بعضها بقرب بعض على أبعاد بينها لا تتغير فيما يشاهد من الجو فتلك الطائفة تكون بشكل واحد يشابه نقطا لو خططت بينها خطوط لخرج منها شبه صورة حيوان أو آلة سموا باسمها تلك النجوم المشابهة لهيئتها وهي واقعة في خط سير الشمس .
وقد سماها الأقدمون من علماء التوقيت بما يرادف معنى الدار أو المكان . وسماها العرب بروجا ودارات على سبيل الاستعارة المجعولة سببا لوضع الاسم ؛ تخيلوا أنها منازل للشمس لأنهم وقتوا بجهتها سمت موقع الشمس من قبة الجو نهارا فيما يخيل للناظر أن الشمس تسير في شبه قوس الدائرة . وجعلوها اثني عشر مكانا بعدد شهور السنة الشمسية وما هي في الحقيقة إلا سموت لجهات تقابل كل جهة منها الأرض من جهة وراء الشمس مدة معينة . ثم إذا انتقل موقع الأرض من مدارها كل شهر من السنة تتغير الجهة المقابلة لها . فبما كان لها من النظام تسنى أن تجعل علامات لمواقيت حلول الفصول الأربعة وحلول الأشهر الاثني عشر فهم ضبطوا لتلك العلامات حدودا وهمية عينوا مكانها في الليل من جهة موقع الشمس في النهار وأعادوا رصدها يوما فيوما . وكلما مضت مدة شهر من السنة ضبطوا للشهر الذي يليه علامات في الجهة المقابلة لموقع الشمس في تلك المدة . وهكذا حتى رأوا بعد اثني عشر شهرا أنهم قد رجعوا إلى مقابلة الجهة التي ابتدأوا منها فجعلوا ذلك حولا كاملا . وتلك المسافة التي تخال الشمس قد اجتازتها في مدة السنة سموها دائرة البروج أو منطقة البروج . وللتمييز بين تلك الطوائف من النجوم جعلوا لها أسماء الأشياء التي شبهوها بها وأضافوا البرج إليها