و ( من ) ابتدائية وليست للتبعيض لأن إبراهيم " عليه السلام " لا يسأل الله إلا أكمل ما يحبه لنفسه ولذريته . ويجوز أن تكون ( من ) للتبعيض بناء على أن الله أعلمه بأن يكون من ذريته فريق يقيمون الصلاة وفريق لا يقيمونها أي لا يؤمنون . وهذا وجه ضعيف لأنه يقتضي أن يكون الدعاء تحصيلا لحاصل وهو بعيد وكيف وقد قال ( واجنبني وبني أن نعبد الأصنام ) ولم يقل : ومن بني .
ودعاؤه بتقبل دعائه ضراعة بعد ضراعة .
وحذفت ياء المتكلم في ( دعاء ) في قراءة الجمهور تخفيفا كما تقدم في قوله تعالى ( وإليه متاب ) في سورة الرعد .
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة بإثبات الياء ساكنة .
ثم دعا بالمغفرة لنفسه وللمؤمنين ولوالديه ما تقدم منه ومن المؤمنين قبل نبوءته وما استمر عليه أبوه بعد دعوته من الشرك أما أمه فلعلها توفيت قبل نبوءته . وهذا الدعاء لأبويه قبل أن يتبين له أن أباه عدو لله كما في آية سورة براءة .
ومعنى ( يقوم الحساب ) : يثبت . استعير القيام للثبوت تبعا لتشبيه الحساب بإنسان قائم لأن حالة القيام أقوى أحوال الإنسان إذ هو انتصاب للعمل . ومنه قولهم : قامت الحرب على ساق إذ قويت واشتدت . وقولهم : ترجلت الشمس إذا قوي ضوءها وتقدم عند قوله تعالى ( ويقيمون الصلاة ) في أول سورة البقرة .
( ولا تحسبن الله غافلا عما يعمل الظالمون إنما يؤخرهم ليوم تشخص فيه الأبصار [ 42 ] مهطعين مقنعي رؤوسهم لا يرتد إليهم طرفهم وأفئدتهم هواء [ 43 ] ) عطف على الجمل السابقة وله اتصال بجملة ( قل تمتعوا فإن مصيركم إلى النار ) الذي هو وعيد للمشركين وإنذار لهم بان لا يغتروا بسلامتهم وأمنهم تنبيها لهم على أن ذلك متاع قليل زائل فأكد ذلك الوعيد بهذه الآية مع إدماج تسلية الرسول A على ما يتطاولون به من النعمة والدعة كما دل عليه التفريع في قوله ( فلا تحسبن الله مخلف وعده رسله ) . وفي معنى الآية قوله ( وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا ) .
وباعتبار ما فيه من زيادة معنى التسلية وما انضم إليه من وصف فظاعة حال المشركين يوم الحشر حسن اقتران هذه الجملة بالعاطف ولم تفصل .
وصيغة ( لا تحسبن ) ظاهرها نهي عن حسبان ذلك . وهذا النهي كناية عن إثبات وتحقيق ضد المنهي عنه في المقام الذي من شانه أن يثير للناس ظن وقوع المنهي عنه لقوة الأسباب المثيرة لذلك . وذلك أن إمهالهم وتأخير عقوبتهم يشبه حالة الغافل عن أعمالهم أي تحقق أن الله ليس بغافل وهو كناية ثانية عن لازم عدم الغفلة وهو المؤاخذة . فهو كناية بمرتبتين ذلك لأن النهي عن الشيء يؤذن بان المنهي عنه بحيث يتلبس به المخاطب فنهيه عنه تحذير من التلبس به بقطع النظر عن تقدير تلبس المخاطب بذلك الحسبان . وعلى هذا الاستعمال جاءت الآية سواء جعلنا الخطاب لكل من يصح أن يخاطب فيدخل فيه النبي A أم جعلناه للنبي ابتداء ويدخل فيه أمته .
ونفي الغفلة عن الله ليس جاريا على صريح معناه لأن ذلك لا يظنه مؤمن بل هو كناية عن النهي عن استعجال العذاب للظالمين . ومنه جاء معنى التسلية للرسول A .
والغفلة : الذهول وتقدم في قوله تعالى ( وإن كنا عن دراستهم لغافلين ) في سورة الأنعام .
والمراد بالظلم هنا الشرك لأنه ظلم للنفس بإيقاعها في سبب العذاب المؤلم . وظلم لله بالاعتداء على ما يجب له من الاعتراف بالوحدانية . ويشمل ذلك ما كان من الظلم دون الشرك مثل ظلم الناس بالاعتداء عليهم أو حرمانهم حقوقهم فإن الله غير غافل عن ذلك . ولذلك قال سفيان بن عيينة : هي تسلية للمظلوم وتهديد للظالم .
وقوله ( فيه الأبصار ) مبنية لجملة ( ولا تحسبن الله غافلا... ) الخ .
وشخوص البصر : ارتفاعه كنظر المبهوت الخائف .
وأل في ( الأبصار ) للعموم أي تشخص فيه أبصار الناس من هول ما يرون . ومن جملة ذلك مشاهدة هول أحوال الظالمين .
والإهطاع : إسراع المشي مع مد العنق كالمتختل وهي هيئة الخائف .
وإقناع الرأس : طأطأته من الذل وهو مشتق من قنع من باب منع إذا تذلل . و ( مهطعين مقنعي رؤوسهم ) حالان .
وجملة ( لا يرتد إليهم طرفهم ) في موضع الحال أيضا . والطرف : تحرك جفن العين .
A E