والأفئدة : جمع فؤاد وهو القلب . والمراد به هنا النفس والعقل .
A E والمراد : فاجعل أناسا يهوون إليهم . فأقحم لفظ الأفئدة لإرادة أن يكون مسير الناس إليهم عن شوق ومحبة حتى كأن المسرع هو الفؤاد لا الجسد . فلما ذكر ( أفئدة ) لهذه النكتة حسن بيانه بأنهم ( من الناس ) ف ( من ) بيانية لا تبعيضية إذ لا طائل تحته . والمعنى : فاجعل أناسا يقصدونهم بحبات قلوبهم .
وتهوي " مضارع هوى بفتح الواو " : سقط . وأطلق هنا على الإسراع في المشي استعارة كقول امرئ القيس : .
" كجلمود صخر حطه السيل من عل ولذلك عدي باللام دون ( على ) .
والإسراع : جعل كناية عن المحبة والشوق إلى زيارتهم .
والمقصود من هذا الدعاء تأنيس مكانهم بتردد الزائرين وقضاء حوائجهم منهم .
والتنكير مطلق يحمل على المتعارف في عمران المدن والأسواق بالواردين فلذلك لم يقيده في الدعاء بما يدل على الكثرة اكتفاء بما هو معروف .
ومحبة الناس إياهم يحصل معها محبة البلد وتكرير زيارته وذلك سبب لاستئناسهم به ورغبتهم في إقامة شعائره فيؤول إلى الدعوة إلى الدين .
ورجاء شكرهم داخل في الدعاء لأنه جعل تكملة له تعرضا للإجابة وزيادة في الدعاء لهم بان يكونوا من الشاكرين . والمقصود : توفر أسباب الانقطاع إلى العبادة وانتفاء ما يحول بينهم وبينها من فتنة الكدح للاكتساب .
( ربنا إنك تعلم ما نخفي وما نعلن وما يخفى على الله من شيء في الأرض ولا في السماء [ 38 ] ) جاء بهذا التوجه إلى الله جامعا لما في ضميره وفذلكة للجمل الماضية لما اشتملت عليه من ذكر ضلال كثير من الناس وذكر من اتبع دعوته ومن عصاه وذكر أنه أراد من إسكان أبنائه بمكة رجاء أن يكونوا حراس بيت الله وأن يقيموا الصلاة وأن يشكروا النعم المسؤولة لهم . وفيه تعليم لأهله وأتباعه بعموم علم الله تعالى حتى يراقبوه في جميع الأحوال ويخلصوا النية إليه .
وجملة ( وما يخفى على الله من شيء ) تذييل لجملة ( إنك تعلم ما نخفي وما نعلن ) أي تعلم أحوالنا وتعلم كل شيء . ولكونها تذييلا أظهر فيها اسم الجلالة ليكون التذييل مستقلا بنفسه بمنزلة المثل والكلام الجامع .
( الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء [ 39 ] ) لما دعا الله لأهم ما يهمه وهو إقامة التوحيد وكان يرجو إجابة دعوته وأن ذلك ليس بعجب في أمر الله خطر بباله نعمة الله عليه بما كان يسأله وهو أن وهب له ولدين في إبان الكبر وحين اليأس من الولادة فناجى الله فحمده على ذلك وأثنى عليه بأنه سميع الدعاء أي مجيب أي متصف بالإجابة وصفا ذاتيا تمهيدا لإجابة دعوته هذه كما أجاب دعوته سلفا . فهذا مناسبة موقع هذه الجملة بعد ما قبلها بقرينة قوله ( إن ربي لسميع الدعاء ) .
واسم الموصول إيماء إلى وجه بناء الحمد . و ( على ) في قوله ( على الكبر ) للاستعلاء المجازي بمعنى " مع " أي وهب ذلك تعليا على الحالة التي شأنها أن لا تسمح بذلك . ولذلك يفسرون ( على ) هذه بمعنى " مع " أي مع الكبر الذي لا تحصل معه الولادة . وكان عمر إبراهيم حين ولد له إسماعيل " عليهما السلام " ستا وثمانين سنة ( 86 ) . وعمره حين ولد له إسحاق " عليهما السلام " مائة سنة ( 100 ) . وكان لا يولد له من قبل .
وجملة ( إن ربي لسميع الدعاء ) تعليل لجملة ( وهب ) أي وهب ذلك لأنه سميع الدعاء . والسميع مستعمل في إجابة المطلوب كناية وصيغ بمثال المبالغة أو الصفة المشبهة ليدل على كثرة ذلك وأن ذلك شأنه فيفيد أنه وصف ذاتي لله تعالى .
( رب اجعلني مقيم الصلاة ومن ذريتي ربنا وتقبل دعاء [ 40 ] ربنا اغفر لي ولوالدي وللمؤمنين يوم يقوم الحساب [ 41 ] ) جملة مستأنفة من تمام دعائه . وفعل ( اجعلني ) مستعمل في التكوين كما تقدم آنفا أي اجعلني في المستقبل مقيم الصلاة .
والإقامة : الإدامة وتقدم في صدر سورة البقرة .
( ومن ذريتي ) صفة لموصوف محذوف معطوف على ياء المتكلم . والتقدير : واجعل مقيمين للصلاة من ذريتي .
A E