والأكل " بضم الهمزة " المأكول وإضافة إلى ضمير الشجرة على معنى اللام . وتقدم عند قوله ( ونفضل بعضها على بعض في الأكل ) في سورة الرعد .
فالمشبه هو الهيئة الحاصلة من البهجة في الحس والفرح في النفس وازدياد أصول النفع باكتساب المنافع المتتالية بهيئة رسوخ الأصل وجمال المنظر ونماء أغصان الأشجار ووفرة الثمار ومتعة أكلها . وكل جزء من أجزاء إحدى الهيئتين يقابله الجزء الآخر من الهيئة الأخرى وذلك أكمل أحوال التمثيل أن يكون قابلا لجمع التشبيه وتفريعه .
وكذلك القول في تمثيل حال الكلمة الخبيثة بالشجرة الخبيثة على الضد بجميع الصفات الماضية من اضطراب الاعتقاد وضيق الصدر وكدر التفكير والضر المتعاقب . وقد اختصر فيها التمثيل اختصارا اكتفاء بالمضاد فانتفت عنها سائر المنافع للكلمة الطيبة . وفي جامع الترمذي عن إنس بن مالك " Bه " عن رسول الله A قال ( مثل كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي كل حين بإذن ربها ) قال : هي النخلة . ( ومثل كلمة خبيثة كشجرة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار ) قال : هي الحنظل .
وجملة ( اجتثت من فوق الأرض ) صفة ل ( شجرة خبيثة ) لأن الناس لا يتركونها تلتفت على الأشجار فتقتلها . والاجتثاث : قطع الشيء كله مشتق من الجثة وهي الذات . و ( من فوق الأرض ) تصوير ل ( اجتثت ) . وهذا مقابل قوله في صفة الشجرة الطيبة ( أصلها ثابت وفرعها في السماء ) .
وجملة ( ما لها من قرار ) تأكيد لمعنى الاجتثاث لأن الاجتثاث من انعدام القرار .
والأظهر أن المراد بالكلمة الطيبة القرآن وإرشاده وبالكلمة الخبيثة تعاليم أهل الشرك وعقائدهم ف ( الكلمة ) في الموضعين مطلقة على القول والكلام كما دل عليه قوله ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت ) . والمقصود مع التمثيل إظهار المقابلة بين الحالين إلا أن الغرض في هذا المقام بتمثيل كل حالة على حدة بخلاف ما يأتي عند قوله في سورة النحل ( ضرب الله مثلا عبدا مملوكا ) إلى قوله ( ومن رزقناه منا رزقا حسنا ) فانظر بيانه هنالك .
وجملة ( ويضرب الله الأمثال للناس ) معترضة بين الجملتين المتعاطفتين . والواو واو الاعتراض . ومعنى ( لعل ) رجاء تذكيرهم أي تهيئة التذكر لهم وقد مضت نظائرها .
( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة [ 27 ] الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء ) جملة مستأنفة استئنافا بيانيا ناشئا عما أثاره تمثيل الكلمة الطيبة بالشجرة الثابتة الأصل بأن يسأل عن الثابت المشبه به : ما هو أثره في الحالة المشبهة ؟ فيجاب بأن ذلك الثبات طهر في قلوب أصحاب الحالة المشبهة وهم الذين آمنوا إذ ثبتوا على الدين ولم يتزعزعوا فيه لأنهم استثمروا من شجرة أصلها ثابت .
A E والقول : الكلام . والثابت : الصادق الذي لا شك فيه . والمراد به أقوال القرآن لأنها صادقة المعاني واضحة الدليل فالتعريف في ( القول ) لاستغراق الأقوال الثابتة . والباء في ( بالقول ) للسببية .
ومعنى تثبيت الذين آمنوا بها أن الله يسر لهم فيهم الأقوال الإلهية على وجهها وإدراك دلائلها حتى اطمأنت إليها قلوبهم ولم يخامرهم فيها شك فأصبحوا ثابتين في إيمانهم غير مزعزعين بها غير مترددين .
وذلك في الحياة الدنيا ظاهر وأما في الآخرة فبإلفائهم الأحوال على نحو مما علموه في الدنيا فيم تعترهم ندامة ولا لهف . ويكون ذلك بمظاهر كثيرة يظهر فيها ثباتهم بالحق قولا وانسياقا وتظهر فيها فتنة غير المؤمنين في الأحوال كلها .
وتفسير ذلك بمقابلته بقوله ( ويضل الله الظالمين ) أي المشركين أي يجعلهم في حيرة وعماية في الدنيا وفي الآخرة . والضلال : اضطراب وارتباك . فهو الأثر المناسب لسببه أعني الكلمة التي اجتثت من فوق الأرض كما دلت عليه المقابلة .
والظالمون : المشركون . قال تعالى ( إن الشرك لظلم عظيم ) .
ومن مظاهر هذا التثبيت فيهما ما ورد من وصف فتنة سؤال القبر . روى البخاري والترمذي عن البراء بن عازب أن رسول الله A قال : " المسلم إذا سئل في القبر يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله " فذلك قوله تعالى ( يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة )