والإشراك الذي كفر به إياه في العبادة بأن عبدوه مع الله لأن من المشركين من يعبدون الشياطين والجن فهؤلاء يعبدون جنس الشيطان مباشرة ومنهم من يعبدون الأصنام فهم يعبدون الشياطين بواسطة عبادة آلهته .
وجملة ( إن الظالمين لهم عذاب أليم ) من الكلام المحكي عن الشيطان . وهي في موقع التعليل لما تقدم من قوله ( ما أنا بمصرخكم ) أي لأنه لا يدفع عنك العذاب دافع فهو واقع بكم .
( وأدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجرى من تحتها الأنهار خالدين فيها بإذن ربهم تحيتهم فيها سلم [ 23 ] ) عطف على جملة ( وبرزوا لله جميعا ) وهو انتقال لوصف حال المؤمنين يومئذ بمناسبة ذكر حال المشركين لأن حال المؤمنين يومئذ من جملة الأحوال المقصودة بالوصف إظهار لتفاوت الأحوال فلم يدخل المؤمنون يومئذ في المنازعة والمجادلة تنزيها لهم عن الخوض في تلك الغمرة مع التنبيه على أنهم حينئذ في سلامة ودعه .
ويجوز جعل الواو للحال أي برزوا وقال الضعفاء وقال الكبراء وقال الشيطان إلخ وقد أدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات فيكون إشارة إلى أنهم فازوا بنزل الكرامة من أول وهلة .
وقوله ( بإذن ربهم ) إشارة إلى العناية والاهتمام فهو إذن أخص من أمر القضاء العام .
وقوله ( تحيتهم فيها سلام ) تقدم نظيره في أول سورة يونس .
( ألم تر كيف ضرب الله مثلا كلمة طيبة كشجرة طيبة أصلها ثابت وفرعها في السماء [ 24 ] تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها ويضرب الله الأمثال للناس لعلهم يتذكرون [ 25 ] ومثل كلمة خبيثة اجتثت من فوق الأرض ما لها من قرار [ 26 ] ) استئناف ابتدائي اقتضته مناسبة ما حكي عن أحوال أهل الضلالة وأحوال أهل الهداية ابتداء من قوله تعالى ( وبرزوا لله جميعا ) إلى قوله ( تحيتهم فيها سلام ) فضرب الله مثلا لكلمة الإيمان وكلمة الشرك . فقوله ( ألم تر كيف ضرب الله مثلا ) إيقاظ ليترقب ما يرد بعد هذا الكلام وذلك مثل قولهم : ألم تعلم . ولم يكن هذا المثل مما سبق ضربه قبل نزول الآية بل الآية هي التي جاءت به فالكلام تشويق إلى علم هذا المثل . وصوغ التشويق إليه في صيغة الزمن الماضي الدال عليها حرف ( لم ) التي هي لنفي الفعل في الزمن الماضي والدال عليها فعل ( ضرب ) بصيغة الماضي لقصد الزيادة في التشويق لمعرفة هذا المثل وما مثل به . والاستفهام في ( ألم تر ) نزل المخاطب منزلة من لم يعلم فأنكر عليه عدم العلم أو هو مستعمل في التعجب من عدم العلم بذلك مع أنه مما تتوفر الدواعي على علمه . أو هو للتقرير . ومثله في التقرير كثير وهو كناية في التحريض على العلم بذلك .
A E والخطاب لكل من يصلح للخطاب . والرؤية علمية معلق فعلها عن العمل بما وليها من الاستفهام ب ( كيف ) . وإيثار ( كيف ) هنا للدلالة على أن حالة ضرب هذا المثل ذات كيفية عجيبة من بلاغته وانطباقه .
وتقدم المثل في قوله ( مثلهم كمثل الذي استوقد نارا ) في سورة البقرة .
وضرب المثل : نظم تركيبه الدال على تشبيه الحالة وتقدم عند قوله ( أن يضرب مثلا ما ) في سورة البقرة .
وإسناد ( ضرب ) إلى اسم الجلالة لأن الله أوحى به إلى الرسول " E " .
والمثل لما كان معنى متضمنا عدة أشياء صح الاقتصار في تعليق فعل ( ضرب ) به على وجه إجمال يفسره قوله ( كلمة طيبة كشجرة ) إلى آخره فانتصب ( كلمة ) على البدلية من ( مثلا ) بدل مفصل من مجمل لأن المثل يتعلق بها لما تدل عليه الإضافة في نظيره في قوله ( ومثل كلمة خبيثة ) .
والكلمة الطيبة قيل : هي كلمة الإسلام وهي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله والكلمة الخبيثة : كلمة الشرك .
والطيبة : النافعة . استعير الطيب للنفع لحسن وقعه في النفوس كوقع الروائح الذكية . وتقدم عند قوله تعالى ( وجرين بهم بريح طيبة ) في سورة يونس .
والفرع : ما امتد من الشيء وعلا مشتق من الافتراع وهو الاعتلاء . وفرع الشجرة : غصنها وأصل الشجرة : جذرها .
والسماء : مستعمل في الارتفاع وذلك مما يزيد الشجرة بهجة وحسن منظر