والجملة معطوفة بالواو عطف الإنشاء على الخبر .
والفاء في قوله ( فليتوكل المؤمنون ) رابطة لجملة ( فليتوكل المؤمنون ) بما أفاده تقديم المجرور من معنى الشرط الذي يدل عليه المقام . والتقدير : إن عجبتم من قلة اكتراثنا بتكذيبكم أيها الكافرون . وإن خشيتم هؤلاء المكذبين أيها المؤمنون فليتوكل المؤمنون على الله فإنهم لن يضيرهم عدوهم . وهذا كقوله تعالى ( وعلى الله فتوكلوا إن كنتم مؤمنين ) كما تقدم في سورة العقود .
والتوكل : الاعتماد وتفويض التدبير إلى الغير ثقة بأنه أعلم بما يصلح فالتوكل على الله تحقق أنه أعلم بما ينفع أولياءه من خير الدنيا والآخرة . وقد تقدم الكلام على التوكل عند قوله تعالى ( فإذا عزمت فتوكل على الله ) في سورة آل عمران .
وجملة ( وما لنا ألا نتوكل على الله ) استدلال على صدق رأيهم في تفويض أمرهم إلى الله لأنهم رأوا بوارق عنايته بهم إذ هداهم إلى طرائق النجاة والخير ومبادئ الأمور تدل على غاياتها .
وأضافوا السبل إلى ضميرهم للاختصار لأن أمور دينهم صارت معروفة لدى الجميع فجمعها قولهم ( سبلنا ) .
( وما لنا ألا نتوكل ) استفهام إنكاري لانتفاء توكلهم على الله أتوا به في صورة الإنكار بناء على ما هو معروف من استحماق الكفار إياهم في توكلهم على الله فجاءوا بإنكار نفي التوكل على الله . ومعنى ( وما لنا أن لا نتوكل ) ما ثبت لنا من عدم التوكل فاللام للاستحقاق .
وزادوهم قومهم تأييسا بالأذى فأقسموا على أن صبرهم على أذى قومهم سيستمر فصيغة الاستقبال المستفادة من المضارع المؤكد بنون التوكيد في ( لنصبرن ) دلت على أذى مستقبل . ودلت صيغة المضي المنتزع منها المصدر في قوله ( ما آذيتمونا ) على أذى مضى فحصل من ذلك معنى نصبر على أذى متوقع كما صبرنا على أذى مضى وهذا إيجاز بديع .
وجملة ( وعلى الله فليتوكل المتوكلون ) يحتمل أن تكون من بقية كلام الرسل فتكون تذييلا وتأكيد لجملة ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) فكانت تذييلا لما فيها من العموم الزائد في قوله ( المتوكلون ) على عموم ( فليتوكل المؤمنون ) وكانت تأكيدا لأن المؤمنون من جملة المتوكلين . والمعنى : من كان متوكلا في أمره على غيره فليتوكل على الله .
ويحتمل أن تكون من كلام الله تعالى فهي تذييل للقصة وتنويه بشأن المتوكلين على الله أي لا ينبني التوكل إلا عليه .
( وقال الذين كفروا لرسلهم لنخرجنكم من أرضنا أو لتعودن في ملتنا فأوحى إليهم ربهم لنهلكن الظالمين [ 13 ] ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) A E تغيير أسلوب الحكاية بطريق الإظهار دون الإضمار يؤذن بأن المراد ب ( الذين كفروا ) هنا غير الكافرين الذين تقدمت الحكاية عنهم فإن الحكاية عنهم كانت بطريق الإضمار . فالظاهر عندي أن المراد ب ( الذين كفروا ) هنا كفار قريش على طريقة التوجيه . وأن المراد ب ( رسلهم ) الرسول محمد A أجريت على وصفه صيغة الجمع على طريقة قوله ( الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون ) في سورة غافر فإن المراد المشركون من أهل مكة كما هو مقتضى قوله ( فسوف يعملون ) وقوله ( لقد أرسلنا رسلنا بالبينات ) إلى قوله ( وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب ) فإن المراد بالرسل في الموضعين الأخيرين الرسول محمد A لأنه الرسول الذي أنزل معه الحديد أي القتال بالسيف لأهل الدعوة المكذبين وقوله ( فكذبوا رسلي ) في سورة سبا على أحد تفسيرين في المراد بهم وهو أظهرهما .
وإطلاق صيغة الجمع على الواحد مجاز : إما استعارة إن كان فيه مراعاة تشبيه الواحد بالجمع تعظيما له كما في قوله تعالى ( قال ربا ارجعون ) .
وإما مجاز مرسل إذا روعي فيه قصد التعمية فعلاقته الإطلاق والتقيد . والعدول عن الحقيقة إليه لقصد التعمية .
فلا جرم أن يكون المراد ب ( الذين كفروا ) هنا كفار مكة ويؤيده قوله بعد ذلك ( ولنسكننكم الأرض من بعدهم ) فإنه لا يعرف أن رسولا من رسل الأمم السالفة دخل أرض مكذبيه بعد هلاكهم وامتلكها إلا النبي محمدا A قال في حجة الوداع " منزلنا إن شاء الله غدا بالخيف خيف بني كنانة حيث تقاسموا على الكفر "