( الت لهم رسلهم إن نحن إلا بشر مثلكم ولكن الله يمن على من يشاء من عباده وما كان لنا أن نأتيكم بسلطان إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون وما لنا ألا نتوكل على الله وقد هدانا سبلنا ولنصبرن على ما آذيتمونا وعلى الله فليتوكل المتوكلون [ 12 ] ) قول الرسل ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) جواب بطريق القول بالموجب في علم آداب البحث وهو تسليم الدليل مع بقاء الأنواع ببيان محل الاستدلال فير تام الإنتاج وفيه إطماع في الموافقة . ثم كر على استدلالهم المقصود بالإبطال بتبيين خطئهم .
ونظيره قوله تعالى ( يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون ) .
وهذا النوع من القوادح في علم الجدل شديد الوقع على المناظر فليس قول الرسل ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) تقريرا للدليل ولكنه تمهيد لبيان غلط المستدل في الاستنتاج من دليله . ومحل البيان هو الاستدراك في قوله ( ولكن الله يمن على من يشاء من عباده ) . والمعنى : أن الممثالة في البشرية لا تقتضي المماثلة في زائد عليها فالبشر كلهم عباد الله والله يمن على من يشاء من عباده بنعم لم يعطها غيرهم .
فالاستدراك رفع لما توهموه من كون المماثلة في البشرية مقتضى الاستواء في كل خصلة .
وأورد الشيخ محمد بن عرفة في التفسير وجها للتفرقة بين هذه الآية إذ زيد فيها كلمة " لهم " في قوله ( قالت لهم رسلهم ) وبين الآية التي قبلها إذ قال فيها ( قالت رسلهم ) بوجهين : أحدهما : أن هذه المقالة خاصة بالمكذبين من قومهم يقولونها لغيرهم إذ هو جواب عن كلام صدر منهم والمقالة الأولى يقولونها لهم ولغيرهم أي لمصدقين والمكذبين .
وثانيهما : أن وجود الله أمر نظري فكان كلام الرسل في شانه خطابا لعموم قومهم وأما بعثة الرسل فهي أمر ضروري ظاهر لا يحتاج إلى نظر فكانه قال : ما قالوا هذا إلا للمكذبين لغباوتهم وجهلهم لا لغيرهم .
وأجاب الأبي أن ( أفي الله شك ) خطاب لمن عاند في أمر ضروري فكأن المجيب عن ذلك يجيب به من حيث الجملة ولا يقبل بالجواب على المخاطب لمعاندته فيجيب وهو معرض عنه بخلاف قولهم ( إن نحن إلا بشر مثلكم ) فإنه تقرير لمقالتهم فهم يقبلون عليهم بالجواب لأنهم لم يبطلوا كلامهم بالإطلاق بل يقررونه ويزيدون فيه اه .
والحاصل أن زيادة ( لهم ) تؤذن بالدلالة على توجه الرسل إلى قومهم بالجواب لما في الجواب عن كلامهم من الدقة المحتاجة إلى الاهتمام بالجواب بالإقبال عليهم إذ اللام الداخلة بعد فعل القول في نحو : أقول لك لام تعليل أي أقول قولي لأجلك .
ثم عطفوا على ذلك تبيين أن ما سأله القوم من الإتيان بسلطان مبين ليس ذلك إليهم ولكنه بمشيئة الله وليس الله بمكره على إجابة من يتحداه .
وجملة ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) أمر لمن آمن من قومهم بالتوكل على الله وقصدوا به أنفسهم قصدا أوليا لأنهم أول المؤمنين بقرينة قولهم ( وما لنا أن لا نتوكل على الله وقد هدانا ) إلى آخره .
A E ولما كان حصول إذن الله تعالى بتأييد الرسل بالحجة المسؤولة غير معلوم الميقات ولا متعين الوقوع وكانت مدة ترقب ذلك مظنة لتكذيب الذين كفروا رسلهم تكذيبا قاطعا وتوقع الرسل أذاة قومهم إياهم شان القاطع بكذب من زعم أنه مرسل من الله ولأنهم قد بدأوهم بالأذى كما دل عليه قولهم ( ولنصبرن على ما آذيتمونا ) . أظهر الرسل لقومهم أنهم غير غافلين عن ذلك وأنهم يتلقون ما عسى أن يواجههم به المكذبون من أذى بتوكلهم على الله هم ومن آمن معهم ؛ فابتدأوا بأن أمروا المؤمنين بالتوكل تذكيرا لهم لئلا يتعرض إيمانهم إلى زعزعة الشك حرصا على ثبات المؤمنين كقول النبي A لعمر " Bه " : " أفي شك أنت يا بن الخطاب " . وفي ذلك الأمر إيذان بأنهم لا يعبأون بما يضمره لهم الكافرون من الأذى كقول السحرة لفرعون حين آمنوا ( لا ضير إنا إلى ربنا منقلبون ) .
وتقديم المجرور في قوله ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) مؤذن بالحصر وأنهم لا يرجون نصرا من غير الله تعالى لضعفهم وقلة ناصرهم . وفيه إيماء إلى أنهم واثقون بنصر الله